Site icon IMLebanon

كيف يُهدِّد «المستقبل» بوقف العدّ؟

لم يعد سرّاً الحديث عن تصدّع قوى «14 آذار» ليس على المستوى الثنائي فحسب، لا بل إنّ مواقع التواصل الإجتماعي تعكس صراعاً بين رموزها. وما يُنذر بالأسوأ يكمن في التوقّف أمام مضمون تصريحات الأمين العام لتيار «المستقبل» أحمد الحريري الذي لم يكتفِ بالإشارة الى احتمال انتخاب البديل من النائب سليمان فرنجية بالدم، فقد هدّد بالمثالثة وبوقف العدّ. فما الذي يعنيه ذلك؟

انشغلت الأوساط السياسية في تعليقها على مواقف الأمين العام لتيار «المستقبل» أحمد الحريري في الشقّ الأمني منها وتحذيره من الوصول الى مرحلة انتخاب البديل من فرنجية بالدم وتجاهل مجموعة الرسائل التي وجَّهها الى مختلف الأطراف ولا سيما تهديده بالمثالثة، عندما كان يستعرض طريقة تعاطي الرئيس سعد الحريري مع الإستحقاق منذ أن حصر رباعي الأقطاب الموارنة حقّ الترشيح بواحد منهم من دون أيّ تصنيف.

عند هذه الحدود بقيَت خطوطُ التواصل مفتوحة بين «المستقبل» وأطراف «14 آذار» من القيادات المسيحية على حالها من الحدّ الأدنى من التعاون على رغم بعض الخروق التي سُجّلت من وقت لآخر، وتحديداً في مرحلة قيام «المجلس الوطني» لهذه القوى فتكتّلت الأحزاب لضرب المشروع واهتزّت العلاقة بين الأحزاب بمجملها وبين المستقلين وممثلي المجتمع المدني و»بقيَ الجمر تحت الرماد».

لم تتوقف سلسلة الإنهيارات في العلاقات بين مكوّنات «14 آذار» الى أن دخلت البلاد أخيراً مدارَ الإستحقاق الرئاسي. فتلاحقت الأزمات في مختلف الإستحقاقات الداخلية الحكومية منها والنيابية وصولاً الى الجلسة التشريعية بعد النقاش في صلاحيات رئيس الحكومة عندما تصطدم بصلاحيات رئيس الجمهورية، فاستُحضرت دراساتٌ أُعدت ما بين عامَي 1992 و1998 وصولاً الى النقاش حول «ورقة النوايا» بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، فمبادرة الحريري في اتجاه العماد ميشال عون بما تمّ تغليفها من سرّية الى أن عقد اللقاء بين الحريري وفرنجية فانفتح الجرح مرة أخرى وهو ما زال ينزف.

وفي معزل عن عمليات الإقصاء والتحدّي التي رافقت المماحكات السياسية الأخيرة والإتهامات المتبادَلة بخوض غمار التفاهمات وإجراء الإتصالات من دون تبادل المعلومات بين الحلفاء، فقد شكل ترشيحُ فرنجية الشعرة التي قسمت ظهرَ البعير ولم يعد من السهل ترميم ما إنكسر وساد الإعتقاد أنّ «14 آذار» «فرقعت» في العلن فيما «8 آذار»، «تتفجّر» في السرّ، وهو ما أدّى الى عملية خلط أوراق هدّدت كيانات الطرفين.

على هذه الخلفيات، وفي موازاة الإتهامات التي يتبادلها تيّارا «المردة» و»الوطني الحر»، يبدو أنّ ما ستشهده العلاقة بين مكوّنات «14 آذار» ستكون أكثر قوّة وصدى. فما يمكن أن يفعله «حزب الله» على مساحة «8 آذار» وحلفائها يبقى أمراً مضموناً في ظلّ فقدان الرعاية لدى القوى التي تفتقد راعيها.

وعندما يقول أحدهم إنّ للراعي السعودي كلمة في هذا الملف، يبدو للمراقبين أنها حسَمت موقفها باكراً ووقفت الى جانب الحريري وأنّ مشروع «القوات» لمواجهة الحريري على أرض الرياض أُصيب بنكسة. فلن يكون هناك موعدٌ لجعجع، إن طلبه، في وقتٍ يقول العارفون إنّ أمر طلب الموعد «وشاية» بحقّ جعجع، فهو لم ولن يطلب هذا الموعد، ويعرف مكانته لديها وأنّ الموضوع لا يستحق أن يُصاب بنكسة ولربما فعل سعاةُ الخير أمراً ما لترميم العلاقة قبل الإنفجار.

لكن ما تملكه قيادات من «14 آذار» من معلومات تقول إنّ «تلحيم الجرة» بين بيت الوسط ومعراب بات شبهَ مستحيل، وإنّ جعجع ذهب بعيداً في مشاوراته مع عون وإنّ النقاش الدائر بين العارفين ببواطن الأمور ينقسم بين رأيَين، واحدٌ يُرجّح ذهابَ جعجع الى حدود ترشيح عون لرئاسة الجمهورية، فيما يؤكّد آخرون أنه لن يصل الى هذه المرحلة. فلربما فعل التهديدُ فعله، ويتوقف الحريري في منتصف الطريق عن مبادرته بترشيح فرنجية وهو أمرٌ ليس مستبعَداً بعدما نفت مصادره النّية بالعودة الى بيروت لترشيح فرنجية.

عند هذه الخيارات الصعبة المطروحة على «القوات» و»المستقبل»، التي لا يستبعدها كثر، يتوقف المراقبون أمام تهديد أحمد الحريري باحتمال وقف العدّ بين المسيحيين والمسلمين واللجوء الى المثالثة ورأوا فيه تسرعاً، فلا يمكن تعديل مثل هذه الخيارات الإستراتيجية ولم يمرّ على الأزمة أيامٌ.

وإن تمّ التكذيب والتصحيح، فهذا لا يُبشّر بإمكان ترميم العلاقات بين «القوات» و»المستقبل» ولا يتجاهلنّ أحدٌ إمكانَ تعميمها على مسيحيّي «14 آذار»، فهل تتحمّل هذه القوى مسؤولية مثل هذا التطوّر الخطير؟ والى أيّ مدى؟