IMLebanon

كيف نجذب أموال اللبنانيين من الخارج؟

من خلال المؤشرات المتوافرة حتى الان، لا يبدو ان ولادة الحكومة الاولى للعهد وشيكة، وهذا يعني ان الآمال المعلّقة على وضع حد للانفاق بلا موازنة منذ العام 2006، قد اضمحلت، وان القلق على الوضع المالي سيعود الى الواجهة.

بصرف النظر عمّا تحمله السياسة من تطورات ومفاجآت في المرحلة المقبلة، فان بعض الاستحقاقات المالية والاقتصادية ستبقى قائمة على لائحة الانتظار.

بالاضافة الى الموازنة التي يحتاجها الوضع المالي والاقتصادي، تأتي مسألة مواجهة تداعيات القوانين الدولية للتعامل معها بشفافية وحذر. ويعتبر قانون التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية من أبرز التحديات التي يواجهها لبنان، الذي كان يتمتّع نظامه المصرفي بسرية مصرفية مطلقة سمحت له في فترة من الفترات باستقطاب الاموال والرساميل من كل انحاء العالم، خصوصا العالم العربي. لكن هذه السرية اصبحت مُقيّدة، وضاق هامش المناورة فيها الى حد الاعتقاد انها سقطت بالكامل تقريبا، ولم يبق منها سوى النذر اليسير.

هل يكفي ما تبقى من سرية مصرفية، لمواصلة جذب الأموال الى لبنان؟ وهل تعليق الآمال على قانون تعريف المقيم المنتظر يمكن ان يشكل حلا معقولاً لمنع هروب الرساميل الأجنبية من البلد، عندما يبدأ موعد تطبيق التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية؟

من خلال المعطيات والمعلومات المتوفرة، يبدو ان حرية لبنان ليست مطلقة في صياغة القانون المنتظر. خصوصا ان بعض القوانين الدولية، كما هي حال قانون فاتكا الأميركي لا تعترف بأي قانون محلي يمكن ان يتحول الى منصة لتجاوز مندرجاتها.

ولا يمكن تكبير حجم الآمال في جذب اموال أجنبية بواسطة هذا القانون، لكن قد يكون متاحاً جذب قسم من اموال اللبنانيين في الخارج، على اعتبار ان تطبيق صفة المقيم على هؤلاء ستكون اسهل وأكثر منطقية، ولن تتعرّض لهجمات الدول التي لديها قوانينها، خصوصا الدول التي تمتلك صفة القيادة وفرض القوانين كما هي حال الولايات المتحدة الأميركية.

وبالتالي، ينبغي ان يأتي قانون تعريف المقيم متماهياً مع القوانين الدولية، لكي يكون مقبولا، ولا يتسبّب بأزمة اضافية بدلا من أن يكون الحل للافادة مما تبقى من سرية مصرفية.

من هنا، ينبغي ان يتم التركيز على كيفية جذب بعض الاموال اللبنانية التائهة في العالم. وقد أثبتت الهندسات المالية التي أجراها مصرف لبنان، ان اعادة بعض الاموال من الامور المتاحة، خصوصا اذا كان المناخ العام يوحي بالثقة.

ومن الامور الايجابية التي لا يزال يتمتع بها لبنان هي الثقة بقطاعه المصرفي. هذه الثقة ساهمت في إنجاح الهندسات المالية التي استندت الى مبدأ جلب اموال من الخارج مقابل أرباح اضافية من خلال الحسم المسبق لأسعار الفوائد.

فاذا كان عامل الربح المقبول كافيا لاقناع بعض المتمولين بسحب اموال من الخارج وايداعها في البلد، فمن البديهي ان هذه العملية يمكن ان تتوسّع اكثر اذا أضيف الى عامل الربح، تجنُّب الضرائب التي قد يضطر الى تسديدها أصحاب الحسابات المصرفية في الخارج.

الى هذا الاستحقاق الذي ينبغي التعامل معه بسرعة وواقعية، هناك استحقاق آخر يتعلق بتحسين الجباية الضريبية بعد إدخال التعديلات الضرورية على بعض القوانين. وفي هذا السياق، تبدو أزمة التهرّب الضريبي اولوية مطلقة للاصلاح.

والمشكلة هنا لا تتعلق فقط بحرمان الخزينة من الايرادات المشروعة التي تحتاجها لاعادة ضخها في مشاريع استثمارية تخدم الدورة الاقتصادية وتُكبّر حجم اقتصاد البلد فحسب، بل بسمعة لبنان المالية في المحافل الدولية، حيث تؤثّر بيانات الارباح والخسائر الوهمية التي تقدمها معظم الشركات اللبنانية في نهاية السنة، الى تصنيف البلد على اساس انه لا يمتلك بيئة ملائمة للعمل والاستثمار.

اذ تظهر بيانات معظم الشركات وقوع خسائر، او تحصيل ارباح زهيدة، بهدف التهرّب من تسديد الضرائب، لكن هذه البيانات تتم قراءتها في المؤسسات الدولية المراقبة على اساس انها مؤشرات على بيئة لبنان بالنسبة الى ازدهار الأعمال، وهذه القراءة تؤدّي الى خفض تصنيف البلد لجهة الاستثمارات والاعمال، وتؤثر بالتالي، على قدرة البلد على جذب المستثمرين.

في النتيجة، سيواجه البلد استحقاقات كثيرة، والسياسة ستؤثر سلبا او ايجابا على كيفية مواجهة هذه الاستحقاقات، لكن الاولوية ستبقى للحد الادنى من الاصلاحات لانعاش الاقتصاد كحد أقصى، وتخفيف الأضرار كحد أقصى.