IMLebanon

كيف يكون الاعتدال قوة لا ضعفاً في وجه الممانعة؟

 

ثمّة سؤال تطرحه القواعد الشعبية التي شكّلت نسيج الحراك الاستقلالي اللبناني منذ أكثر من عشر سنوات ولا تزال، وهو سؤال يطرح نفسه بكذا صيغة، منها: كيف لا يؤدّي بنا الإعتدال والحوار إلى الضعف بإزاء منظومة، أو شبكة، أو ترسانة، كتلك التي تتخذ من «الممانعة» عنواناً مشتركاً لها؟

قوة الاعتدال تكون في الالتفات رأساً الى هذا السؤال، لأنّ هذه القواعد الشعبية، وبالدرجة فيها التي هي متيقنة من أنّ التطرّف الأعمى والكافر بكل معاني الكيانيات الوطنية لا يخدم في نهاية التحليل الا منظومة الممانعة، فإنها مهمومة، ومعنية، بأن لا تقع بين نارين، نار الممانعة ونار التطرّف الأعمى، وأن لا يكون في جعبتها غير التحيّر والتحسّر والأماني. 

ليس سهلاً ما يجري في الشرق الاوسط اليوم. في الوقت نفسه الذي تنجح منظومة الممانعة في توحيد مستوياتها وتشكيلاتها من الحرس الثوري حتى الحوثيين مروراً بالنظام السوري و»حزب الله» والموالين العراقيين لإيران، تحت قيادة طهران دون التباس، فانه لا يمكن الحديث عن منظومة بهذا الوسع، وبهذا الانتظام، وبهذا التمحور حول مركز قيادة، يواجه الممانعة. وما كان يبدو انه كذلك في أول سني الثورة السورية، يوم تشكل إجماع بين عدد من عواصم الشرق الاوسط، سرعان ما ظهر على انه غير ذلك.

فقبل الربيع العربي، كانت هناك مثلاً منظومة من الأنظمة العربية التي تتعرّف على نفسها في شعار الاعتدال، وكانت تحقق نوعاً من الصدّ لمنظومة الممانعة، ثم أتت انتفاضات الربيع العربي فتبدّل الحال، انما لم تفرز منظومة ربيعية عربية توقف الممانعة عند حدّها، لا سيّما في المجزرة السورية المتواصلة والشاملة، انما تفعل ذلك من موقع يلتزم بناء كيانات وطنية على أسس تعدّدية متينة ورحبة، ولا يبحث عن إحلال تسلّط بدل آخر، والاستثمار في تطرّف ديني في مواجهة الآخر.

ما كان في طريقه الى التشكّل، اطاحته ثنائية «الاسلاميين والعسكر»، وفي الأصل، ضعّفه عدم جهوزية القوى الشبابية الطليعية في الربيع العربي لتطرح نفسها كقطب تاريخي، فكرياً وتنظيمياً ومن خلال افراز قيادات تتحلى بالفهم والكاريزما في آن. بقيت منظومة الممانعة، وانهارت الآمال ببناء منظومة حكومات ربيعية عربية تقف في مواجهتها. هذا المعطى الاقليمي هو المناخ الذي تطرح القواعد الشعبية المحسوبة على الطروح الاستقلالية في لبنان السؤال: وكيف لا يؤدي بنا التعقّل والتروّي الى الضعف؟

لا يعني ذلك ان هذا السؤال لا يطرح نفسه كإشكالية تعني القيادات السياسية والكوادر الحزبية والتنظيمية. لكنه لم يطرح على انه السؤال الرئيسي حالياً، وهو كذلك، وبعض من الانزلاقات الى مواقع تبرير التطرّف، هو بنتيجة التأخر عن تسليط الضوء على هذا السؤال البسيط، والملحّ، من حيث هو سؤال لا يمكن تلافيه، أو تنحيته، لتجاوز هذه المرحلة. 

في هذا الوقت، تحاول منظومة الممانعة، مصاصة الدماء، أن توحي بأنها على طريقتها، معتدلة، مكافحة للتطرف، مكافحة للارهاب، والتمسّك بالاعتدال، بالتعدّدية، بالتسامح، بالقيم التنويرية، أساسي عندها لتعرية مزاعم الممانعة. لكنّ هناك خيطا رفيعا يفصل بين هذا، وبين الانقياد الى جلد الذات، أو الى كره الذات، بحجة درء شبهة التطرف في مواجهة الممانعة، هذه المنظومة التي استخدمت سلاحاً كيماوياً لقتل الآلاف فاستحقت على أساسه الترقية الدولية. هذا الخيط الرفيع ينبغي تظهيره. بتظهيره ينجز الاعتدال وحدته مع مفهوم السيادة لبنانياً، ومع تركة ثورات الربيع عربياً. فالحاجة اذاً لاستكمال بناء قوة الاعتدال، بالتشديد على انه ليس عدولاً عن مواجهة منظومة الممانعة، بل هو الحاجة الى تركيب منظومة أخرى، هي النقيض في آن واحد لمنظومة الممانعة ولمنظومة الحركات الجهادية في الاقليم، لأنها تطرح بناء مجتمعات وطنية، في وقت تكفر الحركات الجهادية الحالية بالوطنيات، وتهدّ الممانعة المجتمعات على نفسها، كما في اليمن. بناء المجتمعات الوطنية، على أسس تعدّدية رحبة ومتينة هو أول الجواب عن السؤال الذي لا يحلّ بإجابة واحدة، ولا بالقول دون الفعل، سؤال القواعد: كيف يكون الاعتدال قوة ولا يكون ضعفاً في مواجهة منظومة كالممانعة لم تفهم يوماً الدعوة الى الاصلاح بدل الثورة الا كتردّد، والحوار بدلاً من الميدان الا كيدين مغلولتين، ولا تفهم أساساً السياسة الا بحسابات أمنية، ولا تفهم مكافحة الارهاب الا بمنطلقات إرهابية؟