من بلدية جونية إلى اتحادها وما قبله وبعده
كيف يكون التزام المحازبين بالإرادة الحزبية استنسابياً؟
ستقضي الأحزاب والقوى والشخصيات السياسية وقتا غير بسيط في قراءة وتحليل نتائج الانتخابات البلدية، الى أن يحين أوان الانتخابات النيابية المقبلة. في العلن تسلط الأحزاب الضوء على بعض نجاحاتها في عدد من البلدات. وتعطي أسبابا تخفيفية لخسارتها وتقدم اخرى تبريرية، سواء لحصولها على نسب متقاربة مع منافسيها من شخصيات أو تحالفات محلية أو لخسارتها في مواجهتهم. لكن في حلقاتها الضيقة تبحث الأحزاب عن مكامن الخلل في إدارتها وتحالفاتها وخطابها وحتى في محازبيها. منها من بدأ التفكير في الخطوات التالية الضرورية تمهيدا للاستحقاق النيابي الذي بات محسوما.
لكل حزب شؤونه وشجونه في هذا المجال. تساوت الساحات الطائفية. فما عاد الصراع والاعتراض و «التمرد» محصورا في الساحة المسيحية. يعكف «المستقبل» على قراءة متأنية للنتائج ورسائلها. يدقق «حزب الله» في حجم بعض الاعتراضات ومداها. يبحث «التيّار الوطني الحر» في آلياته الداخلية ليجد مخارج تمكّنه من إعادة لملمة انقساماته الداخلية فلا تنسحب على الآتي من استحقاقات، سواء داخل «التيار» أو في الحياة السياسية العامة. تزن «القوات اللبنانية» بدقة تداعيات تفاهمها مع «التيار الوطني الحر» في ميزان المكاسب والخسائر، وكيفية المراكمة على الاولى والتخفف من الثانية. ويبدي «حزب الكتائب» رضى إجماليا عن نتائج الانتخابات وعن أسلوب إدارتها عموما، فهو «لم يكبّر الحجر، وأعطى الانتخابات البلدية حجمها الإنمائي الفعلي، إلا في البلدات الكبرى حيث اتخذت المعركة بعدا سياسيا»، على ما تقول مصادره. لكن ذلك لم يمنع أن يتواجه كتائبيون على لوائح مختلفة في عشر بلدات، ولم تتدخل القيادة المركزية ولا حتى ببيان لترك الحرية للناخبين لأن «الناس أدرى بمصالح بلداتهم. فمن فازوا من الكتائبيين هم من اختارهم الناخبون ولم تفرضهم الإرادة الحزبية».
إلا ان الالتزام بـ «الإرادة الحزبية»، لدى كل الأحزاب، هو ما صار موضع تساؤل وتشكيك. وآخر الأمثلة اتحاد بلديات كسروان ـ الفتوح الذي انتخب رئيس بلدية جونية جوان حبيش رئيسا. فالقضاء الذي انتقل اليه العماد ميشال عون عشية انتخابات البلدية ليعلن أنه عرينه، استطاع بصعوبة إنجاح حبيش في الاتحاد (28 مقابل 26 صوتا). وكان يكفي انتقال صوت واحد الى منافسه رئيس بلدية زوق مكايل ايلي البعينو ليربح الأخير كونه الأكبر سنّا. وتزداد مشروعية السؤال حول الالتزام بـ «الإرادة الحزبية» بعد نجاح رئيس بلدية الكفور انطوان ابي صعب كنائب لرئيس الاتحاد، وهو مقرب من «القوات»، وسقوط المرشح الحزبي لـ «التيار» رئيس بلدية غزير شارل حداد.
ما ينطبق على «التيار»، ينطبق بدرجة أقل على سواه من الأحزاب. هذا ما دفع المستقلين في الأوساط المسيحية الى الإشارة في أكثر من مناسبة الى أن «العصبية المحلية والعلاقة المباشرة مع الناس وتبني خطابهم ومعرفة همومهم المباشرة وصولا الى تسهيل الخدمات لهم، جعلت التزامهم بالمستقلين أصدق وأكثر تماسكا من الالتزام الحزبي».
لكن للقيادة الكتائبية رأيا مختلفا. فرئيس الحزب سامي الجميّل يجزم في مجالسه أن «التزام الحزبيين في الانتخابات النيابية يختلف تماما عن سلوكياتهم في الانتخابات البلدية المحلية. فالترشيح والانتخاب يخضعان لمفهوم الانضباط الحزبي». وبقراءة واقعية ترى «الكتائب» في التحالفات أحد مداخل الربح. تعطي مثالا فوز النقيب جورج جريج برئاسة نقابة المحامين «من دون أن يعني ذلك أن المحامين الكتائبيين هم أكثرية في النقابة».
وسط كل أزمات الأحزاب وتحدياتها، لا يمكن اعتبار تجاوز المحازبين للإرادة الحزبية، ولو في انتخابات محلية، تفصيلا هامشيا. فإذا كان يصح القول ان «من يسرق بيضة يسرق جملا»، فيمكن الاستنتاج أن من يتمرد في البلدية قد ينشق في النيابية، خصوصا مع الطموحات الكبيرة لكثيرين.