تُطرح علامات استفهام عديدة حول علاقة رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون الطامح للوصول إلى رئاسة الجمهورية مع «تيار المستقبل» الممثل الأقوى للطائفة السُنّية حتى هذه اللحظة. لا شك أنّ صراع عون و«المستقبل» ليس جديداً وتعتبر أوساط الرابية أنه يقف حائلاً أمام بلوغ عون قصر بعبدا.
ومَن يراقب تطوّر الأحداث يجد أنّ هذه العلاقة تسير نحو التوتر أكثر فأكثر، من هنا يُطرح السؤال الكبير: كيف يُصبح ميشال عون مقبولاً كرئيس للجمهورية في نظر أهل السُنّة في لبنان وتحديداً تيار «المستقبل»؟
لكنّ تيار «المستقبل» يرى أنّ السؤال الأساسي هو كيف يُصبح المرشّح عون مقبولاً وطنياً وليس سنّياً فحسب! ويستغرب التيار التراجع الذي طرأ على صورة الجنرال منذ عام 1988 وحتى اليوم، إذ كان عون زعيماً وطنياً يحظى بتأييد سنيّ كبير جداً، إلّا أنه تخلّى عن بعده الوطني لمصلحة البُعد الطائفي، وصولاً إلى تهديده اليوم بالطلاق، فهو يريد من «المستقبل» أن يقرأ مفهوم الميثاقية على طريقته ولا يقبل بأيّ طريقة أخرى، إلّا أنّ أوساط «المستقبل» تبدو غير مستعدة لقراءة الميثاقية كما يريدها عون.
هل يستطيع عون إعلان الطلاق؟ تبدو هذه القرارات والخيارات كبيرة جداً ولا يمكن الاعتماد على المفاعيل الداخلية فحسب لأنّ مسألة الطلاق لها مفاعيل إقليميّة أيضاً، لذلك لم يأخذ تيار «المستقبل» هذه التهديدات على محمل الجد، ويعتبر «المستقبل»، أنّ هذه التهديدات ليست سوى من باب رفع السقف في وجه «حزب الله» أكثر من رفع السقف في مواجهة «المستقبل» تبدأ بتحقيق مكاسب معيّنة كمحاولات «الحزب» الهادفة لإرجاء جلسة مجلس الوزراء.
مع ذلك، لا بد أن يعترف تيار «المستقبل» بأنّ عون الأكثر تمثيلاً لدى المسيحيين ويحظى بتأييد كبير ليكون رئيساً للجمهورية بعد «تفاهم معراب» الذي نال فيه دعم «القوات اللبنانية» كمرشّح قوي، لذلك يبقى سؤال: كيف يصبح عون مقبولاً كرئيس لدى الطائفة السنّية سؤالاً جوهرياً.
هنا تبرز النقاط الآتية التي تعدّدها أوساط تيار «المستقبل» على الشكل الآتي:
– أولاً هناك مشكلة بالممارسة لدى ميشال عون وتياره، فممارساته تتناقض مع شعار الميثاقية، ونذكّر بمحاولة انقلابه على سعد الحريري وإعلان إقصائه من خلال كلمة One way Ticket، فكيف قَبِلَ حينها بحكومة غير ممثلة بالشريك المسلم القويّ؟ وأين طبّق الميثاقية في حينها؟ عندها لم نطالب كتيار «المستقبل» بالميثاقية ولم نشهر سيف «الطلاق» واكتفينا بطرح البُعد السياسي فقط.
– ثانياً، هناك علامات استفهام عديدة حول أداء وزرائه وخصوصاً صهره الوزير جبران باسيل الذي مارس الكيديّة والاستنسابيّة في الوزارات التي تسلّمها سواءٌ في وزارة الإتصالات ووزارة الطاقة وأخيراً وزارة الخارجيّة. ونستغرب أننا لم نسمع حتى الآن أيّ موقف لباسيل في ما يخص دور المخابرات السورية في انفجارات طرابلس التي استهدفت مسجدَي التقوى والسلام.
– ثالثاً، هناك مشكلة في الخطاب السياسي المتوتر والتهديدي لدى عون، وبدلاً من تغيير خطابه نراه يتمادى في استخدام لغة تهديدية وكان آخرها ما تفوّه به رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في جلسة الحوار الوطني. وهنا نتساءل كيف سيتعاطى معنا عون في حال وصل إلى قصر بعبدا! في الحقيقة لا شيءَ يُطمئن.
– رابعاً، هل يكفي أن يكون ميشال عون الأكثر شعبية مسيحياً ليكون رئيساً للجمهورية؟ «المستقبل» لا يرى ذلك كافياً. فالشعبيّة شيء والميثاقيّة شيء آخر. وهم يقدمون أمثلة على ذلك أهمّها أنّ سليمان فرنجيّة الجدّ لم يكن الأكثر شعبية عندما إنتُخب رئيساً ولا الرئيس فؤاد شهاب. مفهوم الرئيس الميثاقي يعني أن يكون مقبولاً من كلّ الأطراف.
ويعتبر تيار «المستقبل» أنه يحق له أن يفكّر بهذه الطريقة، إذ قبل نحن بتمام سلام رئيساً للوزراء في حين أنّ الرجل الأقوى شعبياً كان الرئيس الحريري، وقد سبق ذلك وصول سليم الحص وعمر كرامي ونجيب ميقاتي، وغالباً لم يطبّق الميثاقية المذهبيّة لأنه اعتبرها هرطقة.
لا شيء يدلّ على تحسّن العلاقات بين السُنّة والعماد ميشال عون، وهو تحالف مع «حزب الله» العدوّ الأول للسُنّة في لبنان وعلى امتداد العالم العربي والشرق أوسطي، ويدعم النظام السوري في حربه مع المعارضة السورية التي تتشكّل في معظمها من الطائفة السنّية، ويُعتبر قريباً من الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تخوض حرباً غير مباشرة في اليمن وغيرها مع المملكة العربية السعودية المرجعية الأساسيّة لأهل السنّة في العالم العربي.
يبدو أنّ ميشال عون سائرٌ في الإتجاه المعاكس للمزاج السنّي في لبنان والشرق وهذا الأمر لا يخدمه كثيراً للوصول إلى رئاسة الجمهورية بل يؤدّي إلى استبعاده لمصلحة رئيس توافقي يحظى بتأييد الجميع.