كيف يستمرّ التشكيك بمجلس النواب وهو الذي إنتخب رئيس الجمهورية؟
إشتباك بعبدا – عين التينة فرمل اندفاعة التأليف والمعالجة غير مستحيلة
الحريري تصرّف بعقلانية بعد التكليف فثبّت علاقته الممتازة مع برّي وخفّف من حدّة اشتباكه مع «حزب الله
يبدو أن مناخات التأليف والتعطيل قد تساوت في السباق الدائر بينهما، وبالتالي فإن الصورة السياسية الحالية، توحي بأننا ربما لن نكون أمام حكومة جديدة قبل عيد الاستقلال، اللهم إلا إذا دبّ عقل الرحمن السياسي في رؤوس البعض ممن ساهمت مواقفهم في فرملة الاندفاعة التي كانت موجودة في رحلة البحث عن توليفة حكومية تحظى برضى غالبية القوى السياسية.
وقد برزت في الساعات الماضية أسئلة كثيرة حول تبادل الهجمات التي حصلت على خط بعبدا – عين التينة وما إذا كان مثل هذا الاشتباك يسهّل انطلاقة العهد الجديد، أو يسهّل ولادة الحكومة، مع إبداء الاستغراب الشديد حول معنى توقيته الآن.
إن الذي حصل في ضوء ما قاله رئيس الجمهورية في بكركي والذي استدعى ردّاً فورياً ومباشراً من رئيس مجلس النواب نبيه برّي لا يسهّل الحياة السياسية في لبنان، لا بل إن الاشتباك الذي حصل قد وضع اللبنة الأولى في بناء حلبة اشتباك سياسي مفتوحة على كل الاحتمالات.
وفي هذا السياق فإن أوساط سياسية تستغرب ما قاله الرئيس عون عن مجلس النواب حيث أن هذا الكلام قيل في وقت غير مناسب، وفي مكان غير مناسب، وفي ظل ظروف لا تتناسب مع ما قيل على الإطلاق، خصوصاً وأننا كنا قد اعتقدنا بعد نزول العماد عون إلى ساحة النجمة وانتخابه رئيساً للجمهورية من قِبَل مجلس النواب، أننا قد انتهينا من بدعة التمديد للمجلس النيابي، فهذا المجلس الذي ينتقده رئيس البلاد هو الذي أتى به رئيساً، وكان يجدر به أن يوجه إليه رسالة شكر بدلاً من أن يواصل نعته بالمجلس الممدّد له، أو المجلس غير الشرعي.
وتسأل الأوساط هل أن العماد عون لم يخطر في باله بأن مثل هذا الكلام قد يدفع قوى سياسية أخرى لتقول أننا لو سلّمنا جدلاً بأن المجلس النيابي ممدّد له وهو غير شرعي، فإن هذا يعني أن ما بُني على باطل فهو باطل، ويكون كل ما قام به المجلس غير شرعي؟
أما في الشق المتعلق برفض حصر وزارة المالية بحصة الطائفة الشيعية، فإن الأوساط السياسية ترى أن البعض من القوى السياسية يبدو أنه لا يُحسن قراءة اتفاق الطائف، ويجهل ما دار من مناقشات في الطائف، فالرئيس نبيه برّي أو غيره من المسؤولين في الطائفة الشيعية لم يطلبوا انتزاع هذه الحقيبة من أحد، بل أنها تثبتت لهم في اتفاق الطائف، نعم في مرحلة من المراحل كانت هذه الحقيبة من حصة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في حكومات سابقة واندلعت مشكلة بينه وبين الرئيس برّي الذي تسلّح آنذاك وما زال بالإتفاق الذي تمّ بأن يُعطى للشيعة في الحكومة حق التوقيع.
وتعتبر الأوساط السياسية أن هذا الموضوع مفروغ منه وهو لا يجوز أن يبقى مدار تجاذب كون أن الطائف قد أتى على ذكر ذلك بموافقة كل الأطراف التي كانت مشاركة فيه، وأن ما يحصل مع كل مشاورات لتأليف الحكومة يأتي من باب الكيد السياسي والابتزاز، والاستفزار، وأن الرئيس برّي سيتعاطى بكل صلابة مع هذا الشأن.
أما في ما خصّ الميثاقية فإن الأوساط السياسية تؤكّد بأن الميثاقية غير مجتزأة، بل هي شاملة وكاملة، بما يتعلق برئيس الجمهورية وصولاً إلى حصة الطائفة الشيعية في وزارة المالية، وهذا الأمر له علاقة بوثيقة الوفاق الوطني ولا يتم التعاطي معه على أنه مجرّد عُرف أو ما شابه.
وتتوقف الأوساط عند ما قيل من أن حكومة العهد هي تلك التي ستتألف بعد الانتخابات النيابية، إذ أن مثل هذا الكلام كان يصحّ قبل الطائف، أما اليوم فإن مجلس الوزراء مجتمعاً هو الذي يحكم، وأن رئيس الجمهورية لا يحق له التصويت، وهذا يدفع إلى القول أن فتح مثل هذه الإشكالات فإنه كمن يحفر الطريق أمام العهد ولا يعبّدها.
وتخلص الأوساط السياسية إلى التأكيد بأن التراشق الذي حصل بين الرئاستين الأولى والثانية قد أثر سلباً في ما خصّ تأليف الحكومة، لكن أمر المعالجة ليس مستحيلاً، وأنه بالإمكان تجاوز ما جرى وإعادة الأمور إلى نصابها من خلال النظر إلى وقائع الأمور كما هي، وعدم استحضار الماضي والتوظيف السياسي عليه.
وتؤكّد الأوساط السياسية بأن الرئيس سعد الحريري تصرّف منذ اليوم الأول لتكليفه تأليف الحكومة بعقلانية لا متناهية، حيث أوقف إطلاق النار على «حزب الله»، لا بل برزت مراسيل إيجابية بين الطرفين، كما أنه عاد وثبّت العلاقة الممتازة مع الرئيس نبيه برّي، وهو سعى في رحلة التأليف إلى حكومة شاملة وجامعة الجميع.