أهم ما في حركة الإحتجاج والتظاهر انها أثبتت ان اللبنانيين لم يقعوا في اليأس على رغم انهم ضحايا دهر من تغوّل دولة الإقطاع والعفن، التي طالما تحكّمت بمفاصلها ومسالكها الطائفية والمذهبية والفساد والسمسرات والمحاصصات.
أهم ما في تظاهرة السبت ان الأحزاب لم تشارك فيها، بل أنها وقعت في الإرتباك والمفاجأة أمام الشعارات والمطالب التي رفعت [ ليس هناك طبعاً ما يفاجئ بعد دهر من القباحات السياسية وإستغلال الناس]، وإنها كشفت بعض حطام الإيديولوجيات وحراس قبور الماركسيات الكيفية الذين يحاولون الآن ركوب الموجة ويتدافعون للوقوف في الواجهة وامام الكاميرات.
ما جرى تجاوز توقعات الذين دعوا الى التظاهر: مجموعة من الشعارات التي تعبّر عن بركان غضب الناس، ومجموعة من الكاميرات نقلت آراء المواطنين العاديين ومعاناتهم والثورة التي تغلي في صدورهم مباشرة وبحرية على الهواء، وهكذا تصاعدت كرة الغضب الشعبي فكان إندفاع العالقين في مستنقع النظام العفن والوقح الى التظاهر الذي يمكن ان يتصاعد أكثر بعدما تحطّم التابو السياسي الذي وقع في حرج، ثم جاء صدى الانفجار من اللبنانيين الذين طفشوا هرباً الى الخارج فتظاهروا في عواصم كثيرة.
ولكن ما حصل هل يمكن ان يفتح كوّة ولو صغيرة في سور الفساد المزمن الذي جعل لبنان في آخر الزمان “مزبلة المتوسط”؟
بالتأكيد لا، لأن ما جرى مجرد عملية تعرية للوسط السياسي والحزبي، انها عملية مفيدة لكنها مجرد خطوة صغيرة في رحلة الألف ميل، ولهذا أقول للذين يدعون الى التظاهر، إن ٧٢ عاماً من الفساد والعفن لا يمكن إصلاحها في ٧٢ ساعة، والموضوع ليس بتحديد المواعيد بل بوضع خريطة طريق وروزنامة مطالب متدرّجة تفرض التغيير من دون الوقوع في الفراغ وما في الفراغ من فوضى متربصة.
في إحدى المحطات سأل المذيع ضيفه من حركة “طلعت ريحتكم”: من أنتم؟
هذا يكفي كي تتذكر كل الحركات التي دعت الى التظاهر تخطيطاً أو إرتجالاً، ان الشارع الذي لا يملك عنواناً واضحاً ومطالب واضحة وقابلة للتحقق يمكن ان ينزلق الى الفوضى المدمرة، وخصوصاً في لبنان الذي تعصف به انقسامات جذرية تغذيها ضغائن متصاعدة من الطائفية والمذهبية المعطوفة على صراع مذهبي اقليمي يتهدد دول المنطقة كلها!
وليتذكّر الذين يديرون حركة المجتمع المدني انهم يحاربون وحشاً مفترساً هو النظام الطائفي الإقطاعي المسنود من قوى وحسابات اقليمية منخرطة في حروب طاحنة، وليتذكروا أيضاً ان بعض الوسط السياسي استكثر عليهم حتى رفع شعار محاربة الفساد وهو يستعد لمبارزتهم في التحشيد ومحاولة تقزيمهم وسيجد بالطبع من يدعمه في هذا وبحماسة كبيرة لاسباب ذاتية وسياسية… مفهوم؟