أمر واحد يصر “حزب الله” على ترداده في ذروة الهجمة الاعلامية والسياسية المتوالية فصولا منذ ما يقرب من اسبوع ضده ، هو:”اننا لسنا في وارد الاعتذار من احد” ، ثم ينكفىء رموزه الى دور المترقب والمستمع والمنتظر.
هذه الجملة ، على قصرها ، مشحونة ضمناً بالرسائل الى من يعنيهم الامر في الداخل والخارج على السواء وفحواها ان عاصفة هذه الحملة “التهويلية” آيلة ولا ريب الى زوال مهما طال زمانها وانها لن تجعل الحزب يبدل مواقفه ويغير توجهاته، فضلا عن ان الحزب يقدّر ان هذه الحملة ستكون بلا مفاعيل دراماتيكية من شأنها ان تقلب الطاولة رأسا على عقب وتعيد رسم المشهد مهما ارتفع منسوب حملة التهويل.
الدوائر المعنية في الحزب كانت ولا شك مهتمة في بواكير الهجمة بأمر اساسي هو معرفة خريطة الطريق التي سيسلكها “تيار المستقبل” على وجه التحديد ، واستطرادا كيفية تعامله مع حملة الضغط الخفية التي طاولته ، وهل سيذهب فعلا الى الاعلان عن قطيعة سياسية مع الحزب توصد ابواب التلاقي الثلاثة بينهما وهي حكومة المصلحة الوطنية وطاولة الحوار الثنائي في عين التينة والحوار الوطني الموسع.
ورغم يقينه الذي قد يصل الى مرتبة الاطمئنان الى ان “التيار الازرق” لا يمكن ان يبلغ هذه المرحلة من سد الابواب ، فان هذا الاطمئنان تحول لاحقا الى قناعة راسخة عندما عقدت الحكومة جلستين في اسبوع واحد احداهما استثنائية وبالحد الادنى من السجال والخلاف وببيان متوازن نال موافقة الجميع واجماعهم ، وعندما التأمت طاولة الحوار الثنائي في مقر الرئاسة الثانية وان بشكل مختصر اقتصر على ممثل واحد لكل طرف من الطرفين ، اذ ان الانعقاد كان في ذاته إشعارا ومؤشرا لرغبة مضمرة في استئناف رحلة التحاور التي انطلقت قبل اكثر من عام ومرت بمخاضات واختبارات صعبة لكنها تجاوزتها كونها عدت انجازا يتعين على الفريقين عدم التفريط به.
يرصد الحزب النبرة المرتفعة لبعض رموز “تيار المستقبل” الذين ادرجوا سابقا في خانة الحمائم الراغبين في ديمومة الحوار واعتبارهم ان هذا الحوار قد بات عقيما بلا نتائج ، ولكنه (الحزب) ما برح يتعامل مع هذه النبرة المستجدة بكثير من الهدوء او اللامبالاة انطلاقا من اعتبارين:
الاول ما سبق للامين العام للحزب السيد حسن نصرالله ان اعلنه قبل فترة وفحواه :”اذا كنتم عازمين على مبارحة طاولة الحوار الثنائي فالله معكم”. والحزب عموما لا يعتبر نفسه مضطرا الى تكرار هذه الرسالة البليغة في كل مرة يكون فيها “التيار الازرق” في وضع المحشور والمطالب بموقف.
الثاني: ان ثمة رسائل وصلت في اليومين الماضيين الى قيادة الحزب عبر وسطاء فحواها :”نتمنى عليكم مراعاة وضع تيار المستقبل ، فهو مضطر الى سلوك هذا المسلك ، ولكن للحوار الثنائي حساباته واعتباراته المهمة عند العديد من رموزه”.
على هذا الاساس ذهب الحزب الى الجلسة الاخيرة للحوار عله يسمع مستجدا غير الذي يعرفه ، فوجد ان الاجواء على حالها ومنوالها ، مما جعله يستنتج ان الفريق الاخر”في زنقة” وانه في وضع المتضرر من العاصفة التي انطلقت اخيرا.
ومع ذلك فان السؤال الذي يبحث عن جواب هو : لماذا تصل الامور بوزير مثل الوزير نهاد المشنوق الى حد التحذير من مواجهات كبرى على مستوى الاقليم مع ادراكه ان المواجهات الكبرى عمرها اعوام ، واطلاق موجات من التهويل خشية من آتٍ اعظم؟ واستطرادا، هل ثمة لدى الدوائر المعنية في الحزب هواجس كامنة من اجراءات دراماتيكية تصعيدية قد يتم اللجوء اليها في قابل الايام من شأنها ان تظهر من المفاجآت والاحتمالات ما ليس في الحسبان وفق منطوق “المستقبل”؟
تفاجأ الدوائر المعنية في الحزب بمبادرة بعض رموز “التيار الازرق” الى التهويل بمفاجآت قد تؤثر سلبا على الاستقرار النسبي وتعتبره امرا يضر بالمصلحة الوطنية ككل، علما ان الشريحة الاوسع من اللبنانيين سمعت مثل هذا الكلام مرارا ولكنها ابدت اطمئنانا يخالف هذا التهويل انطلاقا من الاعتبارات الاتية:
– ان التفجيرات الامنية ايا يكن حجمها لا تخدم اي فريق داخلي.
– ان من مصلحة الطرف الاخر(“المستقبل”) الحفاظ الى اقصى الحدود على الحكومة الحالية لان فرط عقدها او استقالتها لن يغير في واقع الحال شيئا.
– ان استدامة الاستقرار الامني في لبنان مطلب دولي تعززه رغبة العواصم الاوروبية في الحيلولة دون تشتيت مليون ونصف مليون لاجئ سوري وجعلهم يتركون البلد وييّممون وجوههم شطر الدول الاوروبية . ولم يمر الزمن بعد على مشهد المسؤولين الاوروبيين وفي مقدمهم المسؤولون البريطانيون وقد حجّوا الى لبنان طالبين الحؤول دون تفرق هؤلاء اللاجئين في اربع رياح الارض ليصيروا عبئا على العواصم الاوروبية.
– ان لدى الحزب من المعطيات ما يؤكد ان الشريحة الاوسع من اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم لا تتملكها اية حماسة للذهاب الى اضطرابات او اشكالات امنية ، وهي منزعجة ضمنا من مشهد التهويل الذي طغى اخيراً.
– لا يمكن الغرب ، وتحديداً واشنطن، ان تبذل جهوداً مضنية بالتعاون مع الروس لتهدئة الاوضاع في الساحة السورية المشتعلة ومن ثم تسمح بانفلات الوضع في الساحة الاقرب.
– ان التهديد بإبعاد اللبنانيين العاملين في الخليج على شكل موجات بشرية هو سلاح ذو حدين.
وبناء على كل هذه الوقائع يفترض الحزب ان العمر المتوقع لهذه الحملة هو بضعة ايام ستعود بعدها الامور الى نصابها وحجمها الطبيعيين ، وبالتالي يستنتج من عليهم الاستنتاج ان الساحة اللبنانية ليست سائبة يمكن التلاعب بمعادلاتها عبر القول انها صارت على حافة الهاوية بكل انواعها.