لربما تأخر “حزب الله” بعض الوقت لكي يبلغ بشكل جاد وحاسم من يعنيهم الامر بان كسر حليفه رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون ممنوع ولكي يشرع في حملة عنوانها العريض الدعم ثم الدعم لجنرال الرابية في المواجهة التي يخوض غمارها منذ فترة.
ففي رأي بعض العارفين بأجواء الحزب انه كان في حاجة الى هذه الفسحة الزمنية لاعتبارات عدة ابرزها:
_ لكي يقنع المشككين بأن العماد عون لن يهدأ ولن يستكين، وبالتالي لن يعود من الرحلة الشاقة التي بدأها منذ فترة وان الرهان على ان يرتضي عون بالهزيمة وتذوق المرارة أمر غير مدرج في قاموسه السياسي وهو ما أثبتته التجارب منذ نحو ثلاث عقود.
_ لكي يقتنع رئيس مجلس النواب نبيه بري بأنه لا يمكنه المضي قدماً في معركة كسر أجنحة عون ورسم خطوط حمر أمام طموحات الأخير التي امتدت لتشمل ميادين كان بري على يقين من ان له وحده حق اللعب فيها بحرية ومن دون اي منافس.
_ لكي يقتنع الجنرال نفسه بأن المرحلة هي مرحلة البحث عن التسويات الصغيرة في مرحلة انفتحت فيها أبواب التفتيش عن قواعد التسويات الكبرى بعد خمس سنوات عجاف من الرهانات الكبرى والطموحات العملاقة العابرة للحدود والكاسرة للتوازنات.
وهكذا وبعد أكثر من شهر على انتفاضة عون السياسية، بدا “حزب الله” في موقف المتعقل والناصح لا بل المصلح الداعي الى سلوك خيار الحوار والتفاهم الى جانب صورة حليفه العماد عون الجامح والذاهب وحيداً الى الاحتمالات القصوى والخيارات الأصعب بما فيها خيار اللجوء الى الشارع.
الأمر بالنسبة الى الحزب ليس سلوك الانتهازي الراغب في رؤية جميع الشركاء يغرقون. فهو ما اعتاد يوماً ان يفرض رأيه أو أجندة حساباته على أي من حلفائه أو أصدقائه. ويذكر بعض من هم في دوائر القرار في الحزب انه عندما اتى قبل بضعة شهور العماد عون ذات ليلة الى الضاحية الجنوبية للقاء الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله كان يحمل في جعبته قراراً ببدء معركة التصعيد وفتح أبواب المواجهة على مصاريعها بعدما كان أشبع الأمر مع فريقه درساً وتمحيصاً وتقليباً على كل الوجوه أي إنه كان قراراً واعياً وليس رد فعل اعتباطياً متسرعاً.
وعليه جاء الجنرال الى الضاحية ليبلغ الى السيد القرار لا ليسأله النصح والارشاد. لذا لم يكن أمام السيد الا المباركة والتجاوب وبطبيعة الحال ابداء الاستعداد للدعم الى الحدود القصوى. فالحزب ما اعتاد خذلان حلفائه فكيف اذا كان الحليف في مرتبة العماد عون ودالته على الحزب وجمهوره؟
ولأن الحزب على ادراك بظروف حراك عون والأسباب التي حدته الى ركوب هذا المركب الخشن، نأى بنفسه عن هذا الحراك وذروة الدعم تجسدت في دعوات متكررة أتت على لسان السيد نصرالله ورموز قيادية في الحزب الى تيار “المستقبل” لفتح ابواب الحوار مع عون والسعي الجاد للتجاوب مع مطالبه عبر تسوية تحول دون انسداد الأفق أمام الحكومة وتدخلها في غيبوبة حتمية اذا ما راوحت الأمور.
وفي خط مواز اختار الحزب نهجاً هادئاً لمعالجة مشكلة انضمام حليفه الرئيس بري الى معسكر المعارضين لحراك عون. فالأمر عنده لم يكن بطبيعة الحال تجاهله أو اشاحة النظر عنه. وهكذا كان للحزب نهجه الدقيق لدعم حراك حليفه عون ينهض على الآتي:
– ابلاغ الرئيس بري ولو بشكل غير مباشر ان التمادي في عملية مواجهة عون أمر غير مرغوب فيه وان للأمر حدوداً مباحة.
– شجع الحزب المبادرة التي انطلق بها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم وحضّ على التجاوب معها وروّج لها في وسائط اعلامه معتبراً إياها مخرجاً للجميع من دون استثناء.
– وفي مرحلة ثالثة شرع الحزب في الكشف عن محاولات لترطيب الاجواء والتقريب بين الرابية وعين التينة على نحو لا يحل اشكالية اللحظة بل يساهم في اعادة بعث الروح في الحلف السياسي ويعالج جذور المشكلة، خصوصا ان ثمة مقدمات ايجابية، منها امتناع فريق عون عن الرد على كلام “قاس” قاله بري بحق عون فيما واصل نواب تكتل التغيير والاصلاح التقاطر الى عين التينة كل اربعاء للمشاركة في لقاء الاربعاء.
– ابعد من ذلك، وضع الحزب الفريق الآخر وتحديداً التيار الأزرق أمام مسؤولياته مؤكداً انه لا يروج لمقولة ان عون وقع في قبضة الازمة لأن الكل في عنق الزجاجة ولا يستثني من ذلك “المستقبل” الذي لا يمكن ان ينكر انه يتخبط منذ ما يقرب الشهر في ازمة العجز عن ايجاد حل لمشكلة النفايات فضلاً عن ان عون يملك الكثير من الاوراق والخيارات وسبل الحراك والحزب لن يسمح بالاستفراد به نظراً الى ما يتركه ذلك من تداعيات سلبية على معادلات التوازن الوطني العام.
إضافة الى ذلك، فما دام عون ماضياً في اضرابه السياسي فالحكومة لن تكون قادرة على الانتاجية والتصدي لما هو مطلوب منها. وعليه ستلقى حكومة الرئيس تمام سلام مصير كل الحكومات الحريرية التي تلت استشهاد الرئيس رفيق الحريري حيث كانت تعيش الازمات الخانقة وتواجه الشلل والتعطيل.
وبالطبع أبلغ الحزب الى من يعنيهم الأمر بان عليهم الكفّ عن رهان الايقاع بين القاعدة العونية والجيش فهذا الأمر هو لعب بالامن الوطني وليس مجرد لغو سياسي أو نكايات.
وفي كل الأحوال يعمل الحزب على توجه عام يقوم على الآتي:
– ممنوع التفكير في اعادة عون الى”المنفى السياسي” ولعبة العزل والكسر والحصار.
– ضرورة السير في كل الخيارات المفضية الى ارساء أسس التسوية لمطالب العماد عون والابقاء على الحكومة.
– منع أي خلل من شأنه ان يطيح بالتوازنات والمعادلات الحساسة.
– ضرورة ايجاد قنوات تواصل وحوار بين عون وتيار المستقبل لأن ذلك مدخل للتهدئة وفاتحة للاستقرار والحل.