IMLebanon

كيف يقرأ خصوم الحريري أبعاد عودته ودعوته إلى “استراتيجية مكافحة الإرهاب”؟

الذين قدّر لهم التواصل مع الذين التقوا زعيم “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري بعد عودته الاسبوع الماضي الى بيروت، خرجوا باستنتاج فحواه أن الرجل لا يكتم رغبة في العودة الى السرايا الحكومية ليكون سيدها للمرة الثانية، إلى درجة أنه سأل أحد هؤلاء الزوار صراحة عن السبل التي يراها ملائمة لعبوره مجدداً من المغترب الطوعي الذي أمضى فيه نحو أربعة أعوام الى الرئاسة الثالثة.

بالطبع سمع الرئيس الحريري اجابة زائره الذي عرض رؤية متكاملة لضمان نجاح هذا المبتغى بدءاً بالرئاسة الأولى، لكن الأكيد أن الحريري سبق له أن أثار السؤال عينه تكراراً مع آخرين وسمع اجابات مختلفة لكن بجوهر واحد.

وفي كل الأحوال، فان لدى دوائر القرار والتحليل عند خصوم الحريري استنتاجات للدوافع التي حدت به الى العودة الى بيروت أولاً وفي هذا التوقيت ثانياً، خصوصاً ان هذه الدوائر كانت أخذت على عاتقها قبل بضعة أيام مهمة رصد ظروف هذه العودة واستشراف ابعادها وآفاقها وتداعياتها.

وأبرز العناوين العريضة لهذه الاستنتاجات التي تمّ اعتمادها:

– أن الحريري جاد كل الجد في المضي قدماً في الحوار الذي بدأه قبل نحو ثلاثة اشهر مع “حزب الله”، وهو قدم في سبيل تكريسه حتى الآن نائبين من كتلته لم يستطيعا التعايش مع هذا الحدث الدراماتيكي، الى مسائل أخرى يعتد بها، بل هي عند الدوائر عينها تشفع له النبرة العالية الاستفزازية في خطابه الأخير في “البيال”.

– ان الحريري عازم على اعادة مركزة القرار والرؤى في تياره بعدما صار في الآونة الأخيرة بيتاً بمنازل كثيرة، وبالتالي السعي الى وضع شعارات وخطاب سياسي جديد لا يقوم، كما في تجربة الاعوام الأخيرة، على معاداة محور ومقاطعة فريق ومنازلة آخر.

– ان الحريري يضمر فعلاً رغبة في العودة الى رئاسة الحكومة في أول فرصة ممكنة، بل صار يعتبر نفسه معنياً بتقصير المسافات الى هذا الهدف، وانه تتملكه رغبة في الاقامة الدائمة في بيروت على نحو يطوي اغترابه السياسي من جهة والجسدي من جهة أخرى.

ولذلك أسباب وحسابات ومقدمات، منها ان الاقامة في الخارج دونها مشاكل وصعوبات، وان محاربة فريق بعينه تحول، حاضراً ومستقبلاً، دون بلوغ الهدف المرتجى وهو التربع على سدة الرئاسة الثالثة والكف عن اداء دور واهب الزعامة وصانع الرؤساء.

ولهذا الأمر باب أساس هو اعادة وصل ما انقطع ورأب ما تصدع مع “حزب الله” ومع الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجيه وسواهم.

– تفضل الدوائر عينها عدم التعليق سلباً أو ايجاباً على مقولة سرت أخيراً وفحواها ان عودة الحريري الى بيروت ومكوثه كل هذه الفترة هما احدى بركات الحوار الذي صار انعقاده دورياً كل عشرة أيام في عين التينة.

– بات الحريري، بحسب انطباعات زواره، يقيم على اعتقاد جوهره ان غيابه القسري او الطوعي سمح للبعض ممن هم في عداد فريقه السياسي بأن يضخّموا ادوارهم ويوطدوا صلاتهم بمراجع معينة في الخارج، وهو أمر له عنده محاذير. والعارفون يتداولون في هذه الايام ان دعوته العماد عون لزيارته في “بيت الوسط” ليست دعوة مجاملة فقط، خصوصاً انها كانت فاتحة اللقاءات. واذا كان الرئيس الحريري على هذا الشغف بالحوار مع “حزب الله” فالسؤال المطروح هو: لماذا آثر هذا التصعيد ضده في خطابه الأخير بحيث اعاد الاعتبار الى شعارات زمن يفترض انه ولّى او أزيح من الواجهة؟

وأيضاً ما هي أبعاد، وخلفيات، الدعوة المفاجئة التي وجّهها الى استراتيجية وطنية لمكافحة الارهاب وفي هذا التوقيت بالذات؟

في معرض الاجابة عن السؤال الاول، سأل وزير حالي أحد ممثلي “حزب الله” في حوارات عين التينة عن مجريات الجلسة السادسة من هذا الحوار، وبما ان ممثلي الحزب شُهد لهم بالتكتم حرصاً على ديمومة الحوار، كان رده المقتضب على النحو الآتي: نحن مسرورون بالحوار، واطمئنك الى ان اجواء الحوار داخل غرفة الحوار هي تماماً خلاف ما سرى خارجها منذ نهار السبت الماضي (بعد مهرجان “البيال”).

وليس ذلك سوى احد البراهين على حرص الحزب على هذا الحوار، خصوصاً ان تعليمات داخلية سرت في داخل أوساط الحزب، مختصرها اعطوا الحوار كل فرصته واذهبوا الى الأخير فيه فهو مصلحة لنا.

وانفاذاً لهذه التوجيهات يُشهد للحزب انه تغاضى عن كثير من الاصوات التي تناولته من داخل “المستقبل” وقللت أهمية الحوار ادراكاً منه ان زعيم “التيار الأزرق” هو من مشجعي الحوار ومن المؤمنين به، وان ثمة من يريد من داخل التيار عرقلة الحوار و”لا نريد ان نترك له فرصة”.

وانسجاماً مع القراءة إياها، تلقف الحزب دعوة الحريري الى استراتيجية وطنية لدرء خطر الارهاب، وسارع أمينه العام الى تبنّيها، فهي في عُرف تلك الدوائر تنطوي على تحولات متطورة لدى “التيار الازرق” حيال موضوع الارهاب ومخاطره، اذ ربما للمرة الاولى يعلن القائد الاول في فريق 14 آذار وبهذا الوضوح أن الارهاب أضحى خطراً يتهدد البلاد والعباد مما يستوجب اطلاق النفير الوطني للوقوف في وجهه، وهو أمر كانت كل مكونات هذا الفريق تنكره او تقلل شأنه وتحمّل “حزب الله” تبعة استجلاب الارهاب الى صحن الفناء الداخلي للبيت اللبناني من جهة، ومسؤولية تضخيم الحديث عنه لغايات ومقاصد تخدم حسابات الحزب من جهة أخرى.

ورغم ذلك فان الحزب يعي ضمناً ان طرح الدعوة على هذا النحو يراد في جانب من جوانبه العودة لاحقاً الى فكرة أن إمرة الحرب في مجال مواجهة الارهاب كما في مجال منازلة اسرائيل، يتعين ان تكون في يد الدولة حصراً، وهذا يعني اعادة النقاش والسجال الى المربع الاول.

ومع ذلك، كما دخل الحزب سابقاً دائرة نقاش الاستراتيجية الوطنية لمقاومة العدو، فانه على استعداد لخوض غمار الدعوة الى الاستراتيجية المتجددة بصرف النظر عن الاهداف غير المرئية لهذا الطرح.