IMLebanon

كيف يقرأ سياسيون لبنانيون مفاعيل «النووي» ؟

يترقّب لبنان بحذر مفاعيل الاتفاق النووي الإيراني على رغم كثرة التحليلات التي تذهب في اتجاه الإيجابيّة المطلقة، وتتوقّع أن يسهم في حلّ ملفات المنطقة الشائكة ومن ضمنها الأزمة اللبنانيّة.

لم تكن إيران يوماً دولة غير مرغوب فيها لبنانيّاً، واللافت في العلاقات الثنائية بين البلدين، أنه عندما تكون فئة لبنانية مع إيران، تخاصمها الفئة الأخرى بصرف النظر عن الدين والمذهب. وقد ارتبط اسم إيران ودخل بقوّة على الساحة اللبنانية في عهد الرئيس كميل شمعون، وخصوصاً العام 1956 مع نشوء حلف بغداد المناوئ للشيوعية، والذي ضمّ العراق وتركيا وإيران وباكستان، وكان لبنان حليفه.

وقد عزّز شمعون العلاقات اللبنانية – الإيرانية، وفي ذلك الحين كان المسيحيون إلى جانب شمعون وحلف بغداد ومتحالفين تلقائياً مع إيران الشاه، فيما ناصبها المسلمون، سنّة وشيعة، العداء، حتّى أتت الثورة الإسلامية، فبات الشيعة في حضن إيران بعد دعمها «حزب الله» ومدّه بالمال والسلاح، ما أخاف بقية المكوّنات اللبنانية على اختلاف انتماءاتها المذهبية والسياسيّة.

كلّ شيء في السياسة وارد ومتاح. سقطت مقولة الشيطان الأكبر، وعند تغيير الدول «إحفظ رأسك»، وبالتالي على اللبنانيين تطبيق قاعدة «عند حوار الدول وتوقيع اتفاقاتها، أوجد الحلّ». فمن غير المنطق أن يختلفوا عندما تتقاتل الدول، ويتفرّجوا عندما تصاغ التسويات.

يخيّم الأمل على حركة «أمل»، التي تنظر خيراً إلى الاتفاق. وفي السياق، يؤكد وزير الأشغال العامة والنقل غازي زعيتر لـ«الجمهورية» أن «الرئيس نبيه برّي شغّل محرّكاته التسوويّة التي لم تنطفئ أصلاً، لكنها تتوقّف في بعض الأحيان بسبب التأزم الإقليمي»، لافتاً الى أنّ برّي «سيعمل مجدّداً بعدما فتحت الطريق الإقليمية أمامه، وسيحاول الوصول إلى تسوية تنتج رئيساً للجمهورية كان يعمل على انتخابه قبل النووي وسيستمرّ بعده».

قد يكون الملف الرئاسي الأبرز المطروح على الساحة، لكنّ الجميع ينتظر تأثير الاتفاق في النزاع السنّي – الشيعي في لبنان. من هنا يقول وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«الجمهورية»، أن «الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله» كان مستمراً لكنه لم يكن منتجاً، ومن المتوقع أن يعطي ثماراً جديدة بعد التوقيع»، مذكّراً بأن «الأميركيين والفرنسيين قالوا إن الاتفاق سيفتح آفاق الحلول في الشرق الأوسط وإنهم سيتابعون تنفيذه لحظة بلحظة، وهذا يعني أنه لن يسمح لإيران بالتمدد في المنطقة، أو إطلاق يدها لأنّ لكل دولة حجمها التي تعرفه».

يتأرجح الواقع السياسي اللبناني على وقع غياب رئيس الجمهورية وشلل المؤسسات والصراع على الأحجام السياسيّة وتوزيع القوى الداخلي، وخصوصاً أن إيران ورثت النفوذ السوري في لبنان عبر «حزب الله»، ما يُثبت أنّ عناصر القوّة الدوليّة تتغيّر، ففي عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد كانت إيران ورقة في يده، أما في عهد الرئيس بشار الأسد فأصبحت سوريا ورقة إيرانية.

ومن زاوية ترقب الانعكاسات الإقليمية على الداخل، يدعو وزير الاتصالات بطرس حرب إلى التمهّل قبل الغوص في تداعيات الاتفاق، ويقول لـ«الجمهوريّة» إن «الانعكاسات قد تكون سلبية أو إيجابية، وهذا يرتبط بسياسة إيران وقراءتها للاتفاق، فإذا وجدت فيه انتصاراً لها ستُكمل في نهج القوّة وتتابع ممارساتها في العراق واليمن وسوريا ولبنان، وستعتبر أن تمدّدها حقّ لها بما أنها باتت تملك فائض قوّة، أما إذا قرّرت دخول النظام الدولي والتصرّف من منطلق احترام سيادة الدول وتوقف عرض العضلات، فستذهب الأمور في لبنان إلى التهدئة والحوار».

وفي الملف الرئاسي، يشير حرب إلى أن «انتخاب رئيس رهن بموقف إيران الجديد، فالاتفاق سيؤدي إلى حلحلة، لكن لا يتوقع أحد أن تحلّ الأزمة سريعاً»، مستبعداً أن «يؤثر الاتفاق في عمل الحكومة حالياً».

ويؤكد حرب من جهة ثانية، أنّ «حزب الله» سيكون مطابقاً لموقف إيران، فهو مرتبط مباشرة بهذه الدولة، وقراراته ومواقفه لا تنبع من توجّه لبناني، لأنه الذراع الأمنية والسياسية لإيران في المنطقة».

تُجمع القوى السياسية على النظر بإيجابية وإعطاء الفرصة للاتفاق المرتقب، على رغم أن كل فريق يحاول قراءته من زاويته وبما يتوافق مع مصلحته. ويشير وزير الإعلام رمزي جريج لـ»الجمهورية» إلى أن «حزب الله» وإيران صرّحا أن الاتفاق محصور بالنووي وملحقاته، لكنني أتوقع أن يؤثر سلباً في الملفات الشرق أوسطية، لأن الحوار الإيراني- الأميركي مفتاح لحل ملفات المنطقة المشتعلة في العراق وسوريا واليمن»، معتبراً أن «الملف اللبناني ليس صعباً مثل بقية الملفات، وخصوصاً أن الدول الكبرى تضع في سلّم أولوياتها استقرار لبنان وأمنه، لذلك لن تتجرأ إيران على هزّ الساحة اللبنانية».

ويرى جريج أن «الاتفاق سيُسهّل انتخاب رئيس للجمهورية، لأن الحزب يجاري العماد ميشال عون في طموحه الرئاسي، وعندما تحلّ الخلافات الكبرى سيسير الحزب في التسوية»، مستبعداً أن يطلق الاتفاق يد إيران في المنطقة «لأنّ لأميركا حلفاء في الخليج ودول الشرق لن تتخلى عنهم».

سيأخذ السياسيون اللبنانيون وقتهم في قراءة الاتفاق والتمعّن فيه، لكن أشطرهم من يقرأ بين السطور ويراجع التاريخ ويستنتج أن في عزّ المواجهة بين إيران وأميركا والغرب، لم تصل الأمور إلى مرحلة الحرب بينهما، وإسقاط النظام الإيراني، بل إن الأنظمة المعادية لإيران على غرار نظامي صدام وطالبان تم إسقاطها، فكيف الحال الآن مع توقيع الاتفاق والشروع في مصالحة تاريخية مع أميركا، ستدخل كإنجاز تاريخي ثانٍ في سجل الرئيس باراك أوباما بعد المصالحة مع كوبا، لكنّ نذير الشؤم يتمثل في فشل انتخاب رئيس للجمهورية بعد الاتفاق، عندها تكون المشكلة الأميركية- الكوبية والأميركية- الإيرانية أقل تعقيداً من مشاكل لبنان وأزماته.