IMLebanon

كيف يقرأ “حزب الله” تمسّك “المستقبل” بالحوار وهل أخطأ المشنوق في “اجتهاده الشخصي”؟

للمرة الرابعة خلال اقل من اسبوعين أبلغ “تيار المستقبل” من يعنيهم الامر حرصه على استمرار حواره مع “حزب الله”. والحرص الاخير جاء مباشرة من زعيم التيار الرئيس سعد الحريري في بيان عمم مساء اول من أمس مشفوعا برد ضمني على كلام اطلقه الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله بحق السياسة السعودية يومي التاسع والعاشر من محرم.

انها وفق قراءة دوائر القرار والرصد في الحزب محاولة جاهدة يبذلها “تيار المستقبل” لانقاذ طاولة الحوار الثنائي التي دخلت شهرها العاشر وجولتها العشرين وذلك بعدما اوشك الكلام العالي النبرة لعضو وفد “التيار الازرق” الى هذه الطاولة وزير الداخلية نهاد المشنوق ورد نصرالله عليه ان يطيحاها الى غير رجعة، وبعدما خال كثر ان هذه الطاولة ستنهار تلقائياً تحت وطأة احتدام حملات الحزب على الرياض وبلوغها مراحل غير مسبوقة.

مفارقة تمعن الدوائر عينها في رصدها وسبر اغوارها ان يكون الوزير المشنوق بالذات هو البادىء باطلاق النار على طاولة الحوار، وان يكون الرئيس الحريري وسواه من رموز “التيار الازرق” من يبادر الى لملمة ذيول هذا الفعل الصادر بشكل مفاجىء عن المشنوق، علما انه بسببه قد يكون في موقع الخاسر رصيدا سياسيا بذل جهودا لمراكمته منذ دخوله الحكومة الحالية وهو رصيد الشخصية المتميزة في مدها جسور العلاقة مع خصوم الامس وتحديداً مع “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، ما جعله يقيم على فرادة سياسية وعلى تمايز في داخل تياره وخارجه من جهة، والمؤهل ليكون شخصية المرحلة المقبلة المناسبة لتأليف أي حكومة جديدة اذا ما بقيت الظروف التي تحول دون عودة الحريري الى بيروت هي هي من جهة اخرى، وسواء عاود المشنوق حضور جلسات حوار عين التينة ام غادر الطاولة الى غير رجعة، فالثابت ان “حزب الله” قد وضع قراءته لهذا الفعل من لدن شخصية كان له معها تجربة ليست بالقصيرة لحل العديد من القضايا والمعضلات، وفحواها ان الرجل في لحظة معينة وجد نفسه امام امرين احلاهما مر: فاما المضي قدما في ما بدأه وهو انجاز وفتح في عالم السياسة، واما المغامرة بما بناه من جسور خلال اكثر من عام لارضاء جهات بعينها في الداخل والخارج على السواء من دون ان يكون على يقين ان الامور ستبلغ هذه المرحلة وان فريقه قد يضحي به في سبيل عدم قطع شعرة معاوية مع “حزب الله” والمتجسدة في حوار مقر الرئاسة الثانية. وعليه ربما كان المشنوق قد اخطأ في اجتهاده الشخصي.

بطبيعة الحال لم يعد الحزب يعطي اهتماماً كبيراً لما سيكون عليه لاحقا المستقبل السياسي للوزير المشنوق ومحاولته لبناء تجربة مميزة، لكن الواضح ان الحزب ومن معه ذهبوا الى الابعد في دراسة اداء “تيار المستقبل” حيال حكومة الرئيس تمام سلام التي بات مصيرها متأرجحا بين الموت السريري او انفراط عقدها.

والسؤال الذي يطرح في الدوائر عينها هو: لماذا سمح “التيار الازرق” بايصال الحكومة المحسوبة عليه كونه يملك الاكثرية فيها الى هذا الوضع المزري، واستطرادا لماذا سمح التيار بادخال حكومته الرابعة في الاعوام العشرة الماضية الى دائرة الحصار المحكم الحلقات، حتى ان ثمة من بدأ يستنتج من خلال هذه التجربة عجزه عن الحكم وتأمين مقومات العيش والحياة لحكوماته؟

والسؤال يفترض منطقيا سؤالا معاكسا هو: هل كان بمقدور التيار ان يمد هذه الحكومة باكسير الحياة لكنه أحجم؟ او هل كان بيده ما يفعله لبقاء حكومة سلام فاعلة ولم يقدم؟

من البديهي ان لدى التيار من التفسيرات والتبريرات الكثير لما انتهت اليه الامور في الاشهر الثلاثة الماضية وجعلت هذه الحكومة مهيضة الجناح وقعيدة العجز، وفي مقدمها ان الطرف الآخر على اختلاف تلاوينه هو المسؤول عن تعطيل مسيرة الحكومة وحرمانها فرصة تصريف الاعمال في ظل الشغور الرئاسي.

وفي المقابل ان لدى خصوم “المستقبل” قراءتهم لاداء “التيار الازرق” حيال الحكومة لتبلغ هذا المبلغ من العجز وهذا المستوى من القصور الى درجة يتمنى رئيسها لو كان الامر بيده ليحرر نفسه من هذه المهمة العسيرة، ولديهم ايضا ما يدحض التهمة التي يسوقها “المستقبل”.

ومبتدأ هذه القراءة ان “تيار المستقبل” تصرف منذ ان آلت اليه عملية تأليف الحكومة تصريف “المنعم المتجلي”. فالمعلوم انه بعد طول ممانعة وافق على سبيل المثال على مشاركة “حزب الله” تحت عنوان حكومة “ربط نزاع”، وهو ما فسّر بان “التيار الازرق” قبل بالحزب شريكا لـ”كمالة عدد” الى ان يأتي حين من الدهر ويتم الاستغناء عنه وطرده من جنة الحكم ليكون له حقا حصريا.

وفي هذا الاطار لا يمكن اغفال الاصوات التي انطلقت في فترة استيلاد الحكومة من فريق 14 آذار وتدعو الى المضي في تأليف حكومة من لون سياسي واحد واسقاط نظرية الشراكة الحكومية.

وفي سياق التفكير نفسه، تعامل التيار بسلبية مطلقة مع المطالب التي رفع لواءها العماد ميشال عون، سواء بالنسبة الى قيادة الجيش او لوضع آلية عمل لمجلس الوزراء من منطلق خفي جوهره ان اي تنازل للعماد عون سيساهم بشكل او بآخر في تعبيد الطريق امامه نحو قصر بعبدا، ومذذاك دخلت الحكومة في طور جديد من التعطيل.

ولاحقا تضافرت عوامل عدة في اضعاف تاثير “تيار المستقبل” في وسط من يفترض ان يكون قاعدته وجمهوره فعجز عن ايجاد حل لمسألة مطامر النفايات، ولا سيما في عكار، فكان ذلك من ابرز اسباب نشوء الحراك الشعبي الذي زاد في عزلة الحكومة وفي ولوجها شرنقة الازمة.

وعندما قرر التيار الشروع في حواره مع الحزب تصرف من منطلق انه أمر عابر يمكن الاستغناء عنه في اي لحظة والتراجع عن اية تعهدات او تفاهمات تعطى خلاله، وهو ما تنبهت له قيادة الحزب فأوعزت الى عضو وفدها الى الحوار النائب حسن فضل الله تسجيل كل شاردة او واردة في تلك الجلسات تحسبا للحظة قد يتراجع التيار عن كلام قاله.

وسواء كان “المستقبل” يعتقد ان الامور لن تبلغ هذا المبلغ من التعقيد وان يأتي زمن تحاصر فيه حكومته على هذا النحو اعتقادا منه ان الآخرين سيتمسكون بالشراكة معه ويقبلون بما يريده، او ان التطورات في الداخل وفي الاقليم تدحرجت الى مراحل فرضت على التيار ابقاء الامور على ما هي انتظارا للمقبل من التطورات، فان الدوائر عينها لا تزال على قناعتها بان فرصة استنقاذ الحكومة من كبوتها والحوارين من دورانهما في الحلقة المفرغة، ما زالت متاحة اذا ما غير هذا التيار من ادائه ومن نهجه السابق.