Site icon IMLebanon

كيف تخدم «الإسلاموفيليا» «الإسلاموفوبيا»؟

«أغاية الدين أن تحفوا شواربكم يا أمة ضحكت من جهلها الأمم فإنه حجة يؤذي القلوب بها من دينه الدهر والتعطيل والقدم ما أقدر الله أن يخزي خليقته ولا يصدق قوماً في الذي زعموا« (المتنبي)

 

هناك تعبير شائع في أوساط بعض الإسلاميين هو «الغيرة على الدين» والغيرة تأتي من الحب المفرط، والغيرة على الدين تصف حالة الغضب الشديد الذي يعتري البعض عند الإساءة إلى دينهم.

أما الإساءة إلى الدين فهي مسألة غير محددة، فقد تبدأ عند البعض بأن تذهب أنثى للدراسة بمختلف مستوياتها، مروراً بأن تظهر سافرة، وصولاً إلى تدنيس المقدس بشكل فاضح وعلني. وقد تبدأ فورة الغيرة بالغضب العارم وتهدج الأوداج وتطاير الرذاذ من الأفواه المستنكرة، مع ما يستتبعه من ارتفاع الضغط والسكري، مروراً بهجاء الكفار وتوعدهم بجهنم وبئس المهاد، وصولاً إلى تفجير الأبراج والحافلات ومحطات القطار، واغتيال الكتّاب والصحافيين… 

يذكرني حب هؤلاء وغيرتهم على دينهم بقصة الدب الذي أحب رجلاً وصار حارسه الأمين، إلى أن حامت ذبابة لئيمة على وجه الرجل النائم، فما كان من الدب الغيور إلا أن إنهال بقائمته على وجه صاحبه ليطرد الذبابة، فطارت الذبابة وتهشمت جمجمة الرجل.

هذه حال الإسلام اليوم مع بعض الغيارى على دينهم، الحقيقيين منهم والمزيفين. لقد أصبحت صورة الإسلام في العالم، وحتى عند بعض المسلمين، تحوي صور رجال ملتحين غاضبين، ونساء منقبات يحتفلن بتفجير ما في مكان ما سقط فيه ضحايا وتناثرت فيه الدماء، وصروحاً مدمرة بعد أن حول الغيارى المتخلفين إنسانياً واجتماعياً الراية المحمدية إلى غطاء لإجرامهم وانحرافهم وساديتهم.

بالعودة إلى قضية الصحيفة الشهيدة «شارلي إيبدو»، فصحيح الجريمة لم تكن الأكبر ولا ربما الأبشع في تاريخ الغيارى «الإسلاموفيليين» فالصور التي تركها الخليفة المزعوم وعصابته في تنظيم الدولة الإسلامية على مدى الأشهر الماضية، وما فعله زملاؤهم في باكستان وأفغانستان والهند ومصر ونيويورك، لكن حصول الجريمة في بلد مثل فرنسا، وضد وسيلة إعلامية أعطى القضية أبعاداً جديدة.

لقد تخلصت فرنسا من امتيازات الإكليروس بعد نضال توّج في ثورة غيّرت وجه العالم سنة ، وحرمت الكنيسة الكاثوليكية من سلطتها سنة بعد أن فصل الدين عن الدولة.

مبادئ العلمانية والمساواة وعدم التمييز بين البشر في فرنسا هي ذاتها التي حمت الأديان من أن تكون مستهدفة من قبل أديان أخرى، وحمت حق التعبير وممارسة الشعائر بحرية كاملة للمسلمين والمسيحيين واليهود ولعبدة الأصنام وغيرها من الأديان الأخرى. وهي أيضاً التي حمت حق من هم غير مؤمنين أو ملتزمين بأي ديانة. وبالسياق ذاته لم تمنع قيم الحرية بعض المؤمنين من نعت غيرهم بالكفر وبالويل والثبور، فإنها حمت حق الآخرين بعدم الإكتراث بمقدسات المؤمنين.

وهذه الحرية التي افتقدها المهاجرون في بلدانهم «الإسلامية»، كما السعي لأفق الرزق الأوسع هو ما دفعهم، أو دفع أهلهم، للهجرة من ديارهم إلى بلدان «الكفر»، وهم ذاتهم الذين يستفيدون اليوم من المساعدات الإجتماعية ومحاولات التطبيع بالعلم التي يؤمنها لهم الفرنسيون من ضرائبهم وجهدهم علهم ينعمون بالإستقرار.

كان ذلك كله قبل أن يدرك هؤلاء الغيارى مدى حبهم لدينهم، مستلهمين مآثر البغدادي وبن لادن والزرقاوي وغيرهم من السفاحين.

اليوم وبسبب هذا الحب القاتل للإسلام، أي «الإسلاموفيليا»، فالنتيجة المباشرة هي زيادة نسبة «الإسلاموفوبيا»، بعد إعطاء روادها من اليمين المتطرف كل الحجج لتسويغ مواقفهم الغبية، ليصبح أربعة ملايين ونصف مليون فرنسي مسلم في موقع الإتهام، مع أن ثلثهم فقط يمارسون شعائرهم بشكل عادي.

كذلك سيكون وضع خمسة وأربعين مليون مسلم في أوروبا، كان معظمهم قد طفش من ظلم ذوي القربى في بلادهم ليحتموا في ظل شرعة حقوق الإنسان العلمانية!.

على مسلمي فرنسا أولاً اليوم، ومسلمي أوروبا، ونحن أيضاً أن ننقذ إسلامنا من وباء «الغيرة على الإسلام» على مذهب البغدادي، وكسر هذه الحلقة الجهنمية التي أدت إلى تحالف موضوعي قاتل بين الإسلاموفوبيا والإسلاموفيليا.

لا يمكن اليوم الوقوف موقف المتفرجين فالإرهاب واحد إن جاء بإسم الدين أو السياسة أو الإجرام، والدين الذي يحتاج لخريجي السجون والعاطلين عن العمل والفوضويين والسفاحين لكي يدافعوا عنه، سيسقط حتماً ضحية لغيرتهم عليه.

() عضو المكتب السياسي في «تيار المستقبل»