IMLebanon

كيف يُترجَم التضامن الوطني بعد انفجارَي الضاحية؟

التوافق الدولي يُظلِّل استقرار لبنان

تجلّى التضامن الوطني في اليومين الماضيين بشكل يجدر التوقف عنده. قد يكون هول الفاجعة التي أصابت منطقة برج البراجنة وحصدت أرواح عشرات الابرياء، ذكّر الجميع بالاخطار التي يمكن ان تفتح أبواب الجحيم على البلد في اية لحظة.

لكن ترجمة هذا التضامن هي المفصل الذي قد ينقل الاوضاع من حالة الى أخرى. فاذا انتهت مفاعيل التضامن عند التأثر وابداء التعاطف والاستنكار، عدنا الى مربع الانقسام الاول الذي لا نكاد نبتعد عنه. أما اذا تحسست القوى السياسية حجم المخاطر التي يؤشر اليها تفجير برج البراجنة، واستندت الى بوادر حراك وطروحات حول تسويات كان قد راج الكلام عنها عشية التفجير الملعون، فهنالك امكانية للتقدم خطوة على طريق حلحلة العقد.

لا يجرؤ كثر من السياسيين على ابداء التفاؤل. الاسباب كثيرة. بحسب احد السياسيين المخضرمين المستقلين فان «اصحاب الرأي والنظريات من السياسيين كثر، اما اصحاب الكلمة الفصل فقلة. هؤلاء لم يحسموا بعد كيفية مسار الامور. تسربت بعض بوادر الانفراج بالتسوية التي أعادت فتح مجلس النواب، لكن يبدو أنه دون عودة مجلس الوزراء الى الانعقاد صعوبات لم تُحل. أما الباب الرئيسي لانتظام الحياة السياسية في لبنان، اي انتخاب رئيس جمهورية فلا يبدو أن احدا مستعد لفتحه اليوم». يضيف مستدركا: «كلام السيد نصرالله قبل يومين أوحى أن البحث يمكن أن يكون جديا حين قال ان التسوية تعني تنازل الجميع. وما رشح من اجواء لدى كل من وليد جنبلاط ونبيه بري وسليمان فرنجية يوحي بان تسوية ما يمكن أن تتحضر».

لكن تبقى الامور معلقة على ماهية التسوية وحجم تنازلات كل فريق ومن اين تجب المباشرة. يصر نائب حزبي في «قوى 14 آذار» على ان «المدخل الوحيد هو انتخاب رئيس للجمهورية. بعدها يمكن التفاهم على كل القوانين واعادة ضخ الروح في المؤسسات. في منطق الامور لا يمكن وضع العربة قبل الحصان. فرصنا تتضاءل، والرسالة الارهابية التي بعثها تفجير الضاحية الجنوبية يفترض ان تضع الجميع أمام مسؤولياتهم وتعدّل من بعض المواقف والسلوكيات».

لا يختلف كثيرا كلام نائب حزبي في «قوى 8 آذار» عن زميله. يقر بأهمية انتخاب الرئيس، ولكنه يعتبر أنه «ليس من الخطأ أن نتفق على رزمة كاملة. فالامانة تقتضي ان نقر أن انتخاب رئيس فقط من دون توافق وطني لن يغيّر الكثير من الوقائع، لا بل ربما قد يشل الاختلاف قدرة الرئيس على المبادرة وتحريك الامور نحو الافضل. وقد يكون مثاليا أن نتوافق جميعا على اسم قانون الانتخاب وشكل الحكومة واسم الرئيس في سلة كاملة تسهل انطلاقة عهده، وتسمح بفترة طويلة من الاستقرار وتحريك العجلة السياسية والاقتصادية». يصر النائب على «وجوب الاستفادة من لحظة التضامن التي نعيشها لتزخيم المبادرات الايجابية تحصينا لوضعنا الداخلي. فمهما ابدينا من دعم ومؤازرة للقوى الامنية، فان الامن في الدرجة الاولى سياسي ومواجهة الارهاب لا تكون الا باتحاد اللبنانيين حول مفاهيم وطنية واضحة ومحددة».

ليست تباينات السياسيين وأولويات «أجنداتهم» ورغباتهم وحدها من يحكم مواقيت الحلول ووجهتها في لبنان. للدول على تنوعها الكلمة الفصل، مهما انكر اللبنانيون او كابروا. لكن ما عكسته مواقف معظم الدول من المسارعة الى ادانة التفجير، والاهم، الاصرار على اعلان التمسك باستقرار لبنان، يسمح ببعض التفاؤل. القراءات الامنية والتحليلات السياسية لخلفيات ورسائل تفجيري برج البراجنة لا تدعو الى الاطمئنان، الا أن القدرة على الامساك بالامن وتحصينه ومواصلة القوى الامنية القيام بمهامها لا يُستهان بهما. يتعزز ذلك في خطاب سياسي داخلي تضامني وفي فيء مظلة دولية يراهن اللبنانيون على أنها لا تزال تقي لبنان من أن يغرق في سيول العواصف من حوله.