IMLebanon

كيف كان مزاج الحكم  عشية محاولة الانقلاب الفاشل ؟

في السياسة كما في الطب، أمراض الرأس قد تكون قاضية، وقد تكون قابلة للشفاء. والرأس في السياسة هو الرئيس الذي يقرر المسار والتوجهات داخلياً وإقليمياً ودولياً. وبدا في وقت ما، أن الرأس في تركيا، وهو الرئيس رجب طيب اردوغان، قد ضربه بخار العظمة، والأحلام الامبراطورية، واعادة إحياء سلطنة عثمانية حديثة يكون هو سلطانها الأعلى، وذلك في شرق أوسط جديد يرفرف عليه علم الاخوان! وكانت أحلام العظمة هذه أشبه بالسراب في البداية، ولكنها تحولت فجأة الى واقع هو أجمل من أن يكون حقيقة، مع وصول الاخوان مع محمد مرسي الى رئاسة مصر، أكبر الدول العربية وأعرقها وأقدمها في قيادة المسار العربي.

كانت تركيا الاردوغانية قبل ذلك وقبل الربيع العربي منتشية بفلسفة منظّر حزب العدالة والتنمية الاخواني الحاكم، أحمد داود أوغلو ورفيق درب اردوغان، كما كانت ماضية في حصاد نتائجها المثمرة في الازدهار والاستقرار. وهي فلسفة اختصرها مبتكرها بكلمتين صفر مشاكل مع الجميع! وكانت هذه الرؤية تتطلع الى البعيد البعيد، وتأمل في أن تجعل من تركيا العلمانية مع المؤسس أتاتورك، والاسلامية بنظامها الحاكم الحالي، مثالاً جاذباً لدول الشرق الأوسط العربية والاسلامية، ويحتذى به في مستقبل الأجيال الآتية، فيقوم شرق أوسط اخواني بتدرج هادئ ومتحرك ومستمر، ولو بعد قرن واحد من الزمان!

الزلزال الذي ضرب المنطقة وحمل تسمية خادعة هي الربيع العربي أوحى للعقل المركب للرئيس رجب طيب اردوغان بأنها اشارة بارقة من السماء، تدعوه الى اختصار الزمن، واتباع القادومية الطريق المختصر لاقامة الامبراطورية الاخوانية في زمانه، وأن يكون هو امبراطورها وسلطانها! وأدرك اردوغان أن من يذهب الى السوق، يبيع ويشتري بالبضاعة الرائجة فيها، وهي قلب أنظمة الحكم غير الاخوانية، بالأسلوب الذي أطلقته الشرارة العربية الأولى من تونس، وانتشرت في أرض العرب بعد ذلك كالنار في الهشيم! وتعزز هذا الاقتناع في عقل اردوغان وفكره، ولكن هذا الطموح المغري كان يصطدم باستراتيجية صفر مشاكل المتبعة في تركيا…

لم يتردد اردوغان طويلاً… وكان فيلسوف صفر مشاكل أحمد داود أوغلو رئيساً لمجلس الوزراء، فكان لا بد لأردوغان من التخلص منه، ولسان حاله يقول: بلا صفر مشاكل بلا بطيخ، واقتباساً من الأغنية الرائجة هذه الأيام بلا حب بلا بطيخ! ولكن ماذا يحدث لتركيا اردوغان اليوم، وهي تشن حرب مصالحات حالياً، ويبشر رئيس وزرائها الجديد بن علي يلديريم بعهود جديدة من العلاقات مع دول الجوار، وكأنها عودة الى صفر مشاكل؟!

ما كان خافياً ظهر الى العلن من خلال انفجار هذا الاحتقان الخفي في شكل محاولة انقلابية قد تكون متسرعة مرتجلة أو غير مدروسة بعمق… والبقية معروفة!