IMLebanon

كيف توزّعت أولويّات الكتل الناخبة وأنتجت البرلمان الجديد؟

كيف توزّعت أولويّات الكتل الناخبة وأنتجت البرلمان الجديد؟

السياسة حيّدت عناوينها فصوّتت الغالبية للإنماء

 

يبدأ البرلمان الجديد المُنبثق عن الإنتخابات النيابية مهامه، رسمياً، بعد عشرة أيام، ليكون العشرين من أيّار تاريخا لافتا في الحياة السياسية اللبنانية مع خروج نواب عاصروا المجالس النيابية لعقود، ودخول آخرين للمرّة الأولى الى الندوة البرلمانية من بينهم عدد لا بأس به من الشباب، وفق نظام إنتخابي جديد يقوم على النسبية المركّبة المطعّمة ببعض من النظام الأكثري حفاظا على ضابط حسن التمثيل وعدالته. طيّ صفحة الإنتخابات بعد تسع سنوات من التمديدات الثلاثة المتلاحقة، فتح الباب أمام تحليل النتائج وقراءة الأرقام، من نسبة الإقتراع المتدنية الى النسب التي حصل عليها كلّ من الأطراف السياسيين الذين خاضوا للمرّة الأولى الانتخابات على أساس قانون النسبية.

يرى متابعون للاستحقاق الإنتخابي أنّه لم تكن هناك معركة إنتخابية واحدة بل معارك عدّة لكلّ منها خصوصيّتها ومتطلّباتها، فكما لم يكن لهذا الاستحقاق عنوان سياسي خيضت على أساسه الانتخابات، كذلك لم يكن هناك من دافع واحد قاد اللبنانيين الى صناديق الإقتراع. ويشرح هؤلاء أنّ أولويات اللبنانيين بعد تسع سنوات من التمديد لبرلمان العام 2009 وما تخلّل هذه الفترة من تطوّرات في الداخل والخارج، تفرّعت عن السياسة التي أصابتهم بالإحباط لتمتدّ الى متطلّبات الحياة الأساسية التي فقدوها نتيجة الصراعات السياسية التي لم تقد يوما الى حلول بل زادت الوضع الاقصادي والمعيشي سوءا وتدهورا. وإذ يعيد المتابعون نسبة الاقتراع المتدنية الى الإحباط الذي أصاب اللبنانيين وشعورهم بالعجز عن الدفع نحو أي تغيير مُرتجى، يفصّلون المشهد الإنتخابي بشكل أكبر، مشيرين الى أنّه لكلّ كتلة ناخبة كانت هناك أولوية، وفق الآتي:

أوّلا- لم يعانِ الثنائي الشيعي مشاكل في تشتّت أصواته، فحاز النسبة الأكبر من المقاعد النيابية، رغم أنّه واجه في خلال حملته الإنتخابية ما يشبه النقمة الشعبية على غياب الإنماء لا سيما في المناطق البقاعية، وهو ما تجسّد في نسبة الإقتراع المتدنية والتي عملت الماكينات الإنتخابية على رفعها في اللحظات الأخيرة (وتمثّلت بنزول آلاف المقترعين الى صناديق الاقتراع قبيل إقفالها بقليل وحُكي عن ثمانية آلاف مقترع وُجدوا في حرم أقلام الاقتراع وفي محيطها قبيل الساعة السابعة، استوجب نزولهم تمديد عملية الانتخاب وفق تعميم وزارة الداخلية). وبحسب المتابعين فإنّ هذا المشهد اللافت، يفيد بأنّ الكتلة الناخبة في الجنوب والبقاع التزمت الخيار السياسي لأحزابها رغم تحفّظاتها على غياب الإنماء وفرص العمل والمقوّمات الأساسية للحياة الكريمة. فلم يكن لحزب الله وحركة أمل أيّ ضرر في تغليب العنوان السياسي على المعركة الإنتخابية، لا بل على العكس، شكّل هذا العنوان الرافعة الأساسية لتحفيز الناخبين على الاقتراع.

ثانيا- لا يستوي الأمر نفسه على الأطراف الأخرى لاسيما تيار المستقبل، حيث يقول المتابعون إنّ العنوان الأساسي لاستمالة كتلة ناخبة كبيرة لم يكن سياسيا بقدر ما كان إنمائيا. ويعيدون ذلك إلى خلط الأوراق السياسي الذي تلا التسوية الرئاسية مع التيار الوطني الحرّ وما نتج عنها من تحفّظات لدى جمهور المستقبل وقواعده، فلم يكن لدى التيار أيّ مصلحة في تظهير العنوان السياسي، بل في التركيز على نهوض البلد اقتصاديا وخلق فرص عمل وتحسين البنى التحتية وإنعاش خزينة الدولة التي تشرف على الإفلاس. وقد عزّز هذا الاتجاه نجاح الحكومة اللبنانية في جذب الوعود المالية في مؤتمر سيدر الذي عُقد في العاصمة الفرنسية.

ثالثا- امتدّ غياب العناوين السياسية عن المعركة الإنتخابية الى الأحزاب المسيحية الكبيرة التي شدّدت في خلال حملاتها على الإصلاح ومكافحة الفساد، وعلى الملفّات المزمنة التي تحتاج الى حلّ كالكهرباء والنزوح وتحفيز الاستثمارات وخلق فرص عمل، إضافة الى التشديد على أهمية أن يحظى العهد القويّ بكتلة وازنة تساهم في تنفيذ هذه الرؤية الإقتصادية الملحّة.

ويختم المتابعون بالإشارة الى أنّ العناوين الاقتصادية والمعيشية التي رفعتها الأحزاب السياسية استحوذت اهتمام الناخبين بشكل أكبر من العناوين السياسية، نظرا الى أنّ الشباب الذين حرمتهم سنين التمديد التسعة من الانتخاب شكّلوا نسبة كبيرة من المقترعين.