لا يمكن عزل طرح التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن الأزمة السياسية العالقة حالياً. لكن السؤال: هل يقبل رئيس الجمهورية بالتجديد له؟ وكيف يمكن أن يبرر قبوله بما كان يرفضه سابقاً؟
قصة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مع التيار الوطني الحر وتكتل التغيير والإصلاح طويلة ومتشعّبة. بعض من في التيار والتكتل صاغ معه علاقات وطيدة سياسية ومالية. وبعض من في التيار والتكتل عقد معه لقاءات بعيدة عن الاضواء زمن الشغور الرئاسي وما قبله، في محاولة لإبرام اتفاقات «رئاسية»، يوم كان اسم سلامة من بين المرشحين المتقدمين للحلول محل الرئيس السابق ميشال سليمان. وبعض ممن في الطرفين، لم يكن يرى مصلحة ببقاء سلامة في سدة الحاكمية، ويحمّله أخطاءً كثيرة نتيجة السياسة التي اعتمدها منذ أن عيّن عام 1993، وجدد له في 1999 و2005 و2011، طوال السنوات التي كانت فيها قيادات التيار خارج لبنان والسلطة، رغم كل المحاولات لوضع هالة كبرى فوق سياسة سلامة.
وبين هذه التقاطعات، كان الرئيس ميشال عون، وحينها كان لا يزال رئيساً للتكتل، متمسّكاً بفكرة واحدة، بعيداً عن أي مفاوضات وتفاهمات جرت (فيما لو وصل سلامة الى قصر بعبدا)، هي أن التجديد بالمطلق أبغض الحلال، بغض النظر عن رأيه الخاص في سياسة سلامة النقدية والمالية، علماً بأن التجديد لحاكم مصرف لبنان، الذي لا يزال في مركزه منذ 24 عاماً، طرح قبل سنتين في عزّ الشغور الرئاسي، يوم طرح أيضاً موضوع التجديد لقائد الجيش السابق جان قهوجي. كان الخوف من الفراغ الرئاسي وفي قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان، وهي ثلاثة مراكز مارونية رئيسية تشغل بال عون وغيره، وسط مطالبة سياسيين بضرورة التجديد خوفاً من الفراغ أو حلول غير ماروني بدل قائد الجيش وحاكم المركزي. لكن عون ظل على ثباته في أمرين: تمسّكه بترشيحه للرئاسة ورفض التجديد الذي أوصل لبنان الى أزمات سياسية حادة، من التمديد للرئيس الياس الهراوي والرئيس إميل لحود والمجلس النيابي لدورتين وقادة المؤسسات العسكرية الذين أطاحوا مجموعة من الضباط المؤهلين لخلافتهم نتيجة التمديد لهم، ويطيح أهل الاختصاص أيضاً المؤهلين لحاكمية المصرف المركزي.
هل يمكن حاكم مصرف لبنان مهما كان اسمه أن يوقف مسار العقوبات الأميركية؟
مع نجاح رهان عون على رئاسة الجمهورية، بدأت حملة سياسية مركزة تحاول جعل التجديد لسلامة أمراً واقعاً، وتفاعلت هذه الحملة في الاسابيع الاخيرة لتصوير هذا الامر وكأنه ضرورة لإنقاذ الوضع اللبناني، وتحديداً في ملف العقوبات الاميركية المفترضة على لبنان وحزب الله. حتى الايام الاخيرة، كان رئيس الجمهورية، بحسب معلومات مقرّبين منه، رافضاً لإبقاء سلامة في مركزه، رغم كل الايحاءات التي ترددت سابقاً عن أنه أبلغ الحاكم موافقته على التجديد. لكن الحملة الضاغطة ورفع وزير المال علي حسن خليل طلب التجديد للحاكم في عز الازمة بين رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي على خلفية قانون الانتخاب وغيره، تعطي لطلب التمديد لسلامة المدعوم أيضاً من الرئيس سعد الحريري والقوات اللبنانية التي شبك معها سلامة منذ سنوات علاقة وثيقة، بعداً آخر، وحيثيات تتعلق بحسابات سياسية ومالية باتت معروفة. كل ذلك يضع أمام رئيس الجمهورية ملاحظات وأسئلة، منها:
أولاً، كيف يمكن أن يبرر عون موافقته، في حال تجاوب مع طالبي التجديد لسلامة، فيما أصرّ على رفض التجديد لقائد الجيش السابق جان قهوجي وحتى رفضه إكمال ولايته، وأصرّ على التعيينات الأمنية وهي الإنجاز اليتيم حتى الآن الذي يُحسب للعهد والحكومة. وكيف يمكن أن يقنع عون معارضي التجديد لسلامة بأنه مع إبقاء الحاكم ست سنوات جديدة، في مقابل رفضه التمديد لمجلس النواب رغم شبح الفراغ الذي يخيّم على لبنان؟ ومن يضمن عدم تأويل الموافقة على التجديد بترتيبات مصرفية ومالية معينة، طالما أن موقف عون الشخصي، وليس موقف بعض المحيطين به، معروف من مبدأ التجديد. وهل يمكن أن يوضع التجديد لسلامة واحداً من بنود التسويات التي تشمل المقايضة في صفقة قانون الانتخاب والتمديد للمجلس النيابي وغيرهما من الملفات التي تشهد شدّ كباش داخلي؟
ثانياً، معلوم أن حملة سياسية ومصرفية، لأسباب معروفة داخلية محض، تروّج للتجديد لسلامة بحجة ضرورة وجوده لمقارعة السلطات الاميركية في ملف العقوبات. هنا تطرح جهات سياسية، من بين القلة الرافضة للتجديد، أسئلة مشروعة: في وقت يأتي الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى المنطقة لتدعيم حلف عربي ــــ إسلامي ــــ إميركي لـ«محاربة الارهاب»، وتقليص نفوذ إيران في المنطقة، وفي وقت ترتفع فيه النبرة الاميركية والتحضيرات لفرض عقوبات على حزب الله، وتسرب معلومات في الاعلام الغربي عن أسماء وعن سيناريوات لمسار العقوبات، هل يمكن لحاكم مصرف لبنان، مهما كان اسمه، أن يوقف مساراً مندفعاً بهذه الحدة؟ وهل يمكن للبنان أن ينجح في منع ترامب من القيام بهذه الحملة بالغطاء الكبير الذي تريد واشنطن إعطاءه لسياستها الجديدة في الشرق الاوسط، لأن تبعات مثل هذا القرار ومفاعيله لا تأتي في لحظة لبنانية معزولة عمّا تعيشه المنطقة من توترات عالية؟ وهل يراد للحملة المصرفية والسياسية المؤيدة للتجديد لسلامة أن تصور أن ست سنوات جديدة لحاكم مصرف لبنان كفيلة حقاً بردع واشنطن عن اتخاذ قرار على هذا المستوى من الاهمية؟ أم أن الضغط السياسي الذي دفع بسلامة الى ابتداع آلية مرنة، يرضى عنها الاطراف المعنيون، لتنفيذ القرارات الاميركية سابقاً، سيتكرر اليوم من أجل وضع رئيس الجمهورية في موقع المتجاوب مع التجديد لسلامة مرة رابعة ست سنوات جديدة، ليقضي بذلك 30 سنة حاكماً للمصرف المركزي؟