لم تخفّف عطلة عيد الأضحى الطويلة نسبياً، من الوتيرة التصاعدية للحراك المدني في الشارع، اذ رسمت مناخاً يؤشّر إلى تصعيد مرتقب على إيقاع التصعيد السياسي الأخير ما بين فريقي 8 و 14 آذار، الأمر الذي يطرح أكثر من تساؤل حول المسار الذي سيسلكه الحراك كما الحوار الوطني، لا سيما أن رفع سقف الخطاب السياسي بين المتحاورين بات يكتب نهاية غير متوقّعة للجلسة الثالثة المرتقبة. وتوقّعت مصادر نيابية مطّلعة أن ترتسم الصورة الواضحة للواقع «الحواري» بعد اتّضاح الموقف من تفعيل العمل الحكومي بعد زيارة رئيس الحكومة تمام سلام إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأوضحت أن «الستاتيكو» السياسي الذي أفرزه الحراك في الأسابيع الماضية، بدأ يشهد بعض المتغيّرات بفعل ما تحقّق في جلستي الحوار الأخيرتين، تزامناً مع استقرار المواقف السياسية على نقطة الانطلاق، والتي تمحورت حول تكريس ترشيح العماد ميشال عون من قبل «حزب الله»، مقابل إصرار فريق 14 آذار على البحث في ترشيح شخصية توافقية، وتلاقي قبولاً من قبل كل الكتل النيابية، ولو كانت محسوبة على فريق سياسي معيّن.
واعتبرت المصادر النيابية، أن الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، قد رسم في إطلالته الإعلامية الأخيرة، واقعاً أعاد فيه الخلاف حول الاستحقاق الرئاسي إلى المربّع الأول وإلى نقطة الانطلاق، إذ ربط حصول الانتخابات الرئاسية بالاتجاه الذي سيسلكه العماد عون في هذا المجال، وذلك لجهة استمراره في الترشّح، أو إعلانه بدء البحث في مرشّح توافقي.
وفي سياق متصل، رأت المصادر النيابية نفسها، أن الإصرار على الاصطفاف السياسي رغم المعطيات التي رسمها الحراك في شهره الثاني، يكشف عن أن أجندة القوى السياسية بعيدة، ومن الصعب أن تلتقي مع الأجندة الضبابية أحياناً لهيئات المجتمع المدني، والتي تخفي في عمقها أولوية إسقاط هذا النظام السياسي في الشارع، والسعي إلى الإعداد لنظام جديد سواء عبر عملية انقلابية ميدانية، أو من خلال الضغط في اتجاه تغيير مسار الاستحقاقات الدستورية، خلافاً لما ينص عليه الدستور بالنسبة للانتخابات النيابية والانتخابات الرئاسية.
وإزاء هذه الصورة المعقّدة، فقد وجدت المصادر النيابية المطّلعة ذاتها، أن الضغط الشعبي لتسريع معالجة ملف النفايات، لن ينجح في وضع الحلول لملفات أخرى، مهما كانت درجة أهميتها، وبالتالي، فإن خريطة عمل «الحوار الوطني» لن تتأثّر بالحراك المدني الحاصل في الشارع، بصرف النظر عن حجمه أو قدرته على تغيير الأمر الواقع في بعض شوارع الوسط التجاري، وكذلك بالنسبة للاصطفافات التي تتعمّق على وقع الخلافات الإقليمية. وأضافت أن التصعيد السياسي والإعلامي الأخير ما بين الرياض وطهران، سيترك تداعيات مباشرة على المشهد السياسي الداخلي، وسيخفّف من وهج الحراك المدني في الشارع، بسبب الانشغال العام بالحملات المتصاعدة بين الأفرقاء الداخليين المتأثّرين بهذا التصعيد الإقليمي. وكشفت أن تراجع الحديث عن ملفات الفساد لمصلحة التجاذبات الإقليمية والتطوّرات السورية الأخيرة، سيترجم بتعزيز صورة الانقسام داخل الحكومة، وذلك بصرف النظر عن نتائج زيارة الرئيس سلام إلى نيويورك والدعم الدولي للبنان.