IMLebanon

كيف سيتفاعل الإقتصاد مع توجُّهات الكونغرس وإجتماعات السعودية؟

 

يواجه الاقتصاد في الأيام القليلة المقبلة تحدياً جديداً يتمثل في قانون العقوبات الاميركي على حزب الله بنسخته الثانية. لكن المخاطر الفعلية لا ترتبط بهذا القانون، بمقدار ما ترتبط بالوضع المزري الذي أصبح معه الاقتصاد هشاً الى حد انه بات قابلا للانهيار لدى مواجهة أي هزّة.

في الفترة الأخيرة، صدر تقرير التنافسية العالمية على هامش «المنتدى الاقتصادي العالمي». وهو تقرير مهم وحسّاس يستند الى حوالي 150 مؤشرا لقياس قدرة البلدان على النمو في مناخ ملائم. وقد جاء ترتيب لبنان في المرتبة 105 عالميا، في لائحة ضمت 137 دولة.

قد يتراءى للبعض ان هذا الترتيب امر بديهي لبلد اصبح اقتصاده في القعر. لكنه في الواقع تقرير خطير ينبغي التوقف عنده ودراسة تفاصيله، لمعرفة مكامن الخلل. اذ ليس بديهيا ان يحتل الاردن مثلا، المرتبة 65 أو أن تحتل كينيا المرتبة 91، ومصر في المرتبة 100…

عندما يتم الاطلاع على التفاصيل التي يوردها التقرير وصولا الى هذه النتيجة، يُلاحظ ان لبنان ليس متأخرا في كل البنود، بل ان مصدر الخلل الاساسي يرتبط بكل ما له علاقة بالقطاع العام، والاداء الرسمي.

على سبيل المثال، في موضوع تقييم البنى التحتية، جاء لبنان في المرتبة 119. وفي تقييم اداء المؤسسات العامة استحوذ على المرتبة 124، أي انه لا توجد بعده سوى 13 دولة في العالم، بُناها التحتية مُصنّفة اسوأ من البنى اللبنانية. أما في تقييم مناخ «الماكرو اقتصادي» فقد جاء في المرتبة 133، أي ان 4 دول في العالم فقط جاءت بعده!

في المقابل، يُلاحظ انه في مؤشر «نمو الاسواق المالية»، جاء لبنان في المرتبة 76 عالميا، وفي اداء الاعمال احتل المرتبة 52، وفي الابتكار جاء في المرتبة 58.

هذه القراءة السريعة، تعني امرا واحدا، وهو ان الاهمال الرسمي، والفساد والفوضى وصلت الى مستويات غير مسبوقة، وان القطاع العام يجذب البلد نزولاً نحو الهاوية، وما يمنع تسريع الانهيار هو اداء القطاع الخاص الذي يقاوم ويمارس عملية جذب معاكسة صعوداً. لكن ذلك لا يمنع ان الامور وصلت الى مرحلة دقيقة، ولم يعد الاقتصاد يملك العدة اللازمة للصمود طويلاً في وجه الهزات.

في هذا الوضع المعقّد، برزت مخاطر النسخة الثانية من قانون العقوبات الأميركي على حزب الله. وكما بات معروفا، فان الاسلوب الذي سيُعتمد في تطبيق القانون سيُظهر حجم المخاطر، واذا ما كانت مميتة، ام يمكن التملّص جزئيا من أخطارها.

اذ ان مضمون القانون يسمح بتوسيع مروحة العقوبات لتشمل المؤسسات والبلديات والاشخاص، وهو من هذه الناحية خطير، ولا يمكن الا أن يؤثر سلباً على الاقتصاد والاسواق المالية في لبنان. وكما هو معروف ايضا، فان كلمة تعاون مطّاطة ويمكن توسيع نطاق مفهومها او تقليصه، وفق الحسابات السياسية.

بالاضافة الى ذلك، فان العبء الاساسي ستتحمله المصارف اللبنانية التي ستكون تحت ضغط القانون من جهة، وتحت ضغط المصارف المراسلة من جهة اخرى.

ما هو مُقلق في هذا الموضوع اربع نقاط :

اولا- حالة الضعف والوهن التي يعاني منها الاقتصاد، والتي تجعل اي ضغط اضافي مهما كان بسيطاً، بمثابة حمل ثقيل يمكن ان يتسبّب بكارثة.

ثانيا – الاشارات التي تطلقها الادارة الاميركية والتي توحي بأن تطبيق قانون العقوبات في نسخته الثانية سيكون مختلفاً تماماً عن اسلوب التعاطي مع مندرجات القانون في نسخته الاولى. فالادارة الاميركية السابقة كانت تتجه نحو التهدئة مع ايران.

الادارة الحالية تجاهر بالعداء لايران، ولا تخفي رغبتها في تقليم أظافر الجمهورية الاسلامية. وبالتالي، فان اسلوب تطبيق القانون سيتماهى مع سياسة التشدّد حيال ايران وحزب الله.

ثالثا- ان المصارف ستكون خط الدفاع الاول، وهي تتعرض لضغوطات السلطة في الداخل التي تبحث عن زيادة الضرائب عليها لأنها لا تجد امامها اي قطاع آخر رابح يستطيع ان يدفع، حتى لو كان ذلك على حساب العدالة وخرق القوانين المرعية الاجراء. (ازدواج ضريبي، عدم المساواة، مفعول رجعي…) وتتعرض من جهة أخرى لضغوطات قانون العقوبات وضغوطات المصارف المراسلة.

رابعا – المؤشرات السياسية المستجدة، والتي توحي بأن «جبهة» سياسية قد ترى النور، بدعم سعودي، لمواجهة الواقع السياسي الشاذ القائم في لبنان.

ويعتقد البعض بوجود رابط ما، بين اقرار النسخة الثانية من قانون العقوبات الأميركي، وبين التحركات السعودية المستجدة، بما يعني ان المواجهة على ارض لبنان قائمة، وبما يعني ان لا تساهّل في تطبيق قانون العقوبات على حزب الله، رغم الحرص الاميركي والسعودي على اقتصاد لبنان.