انطلقت عمليةٌ عسكرية لطرد تنظيم «داعش» من آخر معاقله في العراق، حيث لن يكون له وجودٌ في البلاد سوى من خلال خلايا متفرّقة، توازياً مع بدء العدّ العكسي للاستفتاء على استقلال كردستان المقرَّر إجراؤه في 25 أيلول الجاري والذي أدّى وسيؤدّي إلى موجةِ غضبٍ عارمة في كل الدول المحيطة الرافضة له، باستثناء إسرائيل.
وفي السياق، أكّد الأستاذ المحاضر في العلاقات الدولية الدكتور وليد الأيوبي لـ«الجمهورية» أنّ «كل عملية تغيير في المبدأ تحمل معها ارتباكاً، فكيف إذا كان التغييرُ يتعلّق بمصير شعب وأمّة ودولة إلخ.»، مضيفاً أنّ «هذا الاستفتاءَ ليس نزهةً بل هو محطة مهمة جداً في مصير الشعب الكردي في العراق، ولذلك هناك إرتباكٌ وقوى سياسية تخشى من النتائج وأخرى مصمِّمة على الانخراط في هذه التجربة».
وتابع أنّ «المواقف تتمحور حول هاتين الفكرتين، لكنّ هناك موقفاً ثالثاً يطلب التأنّي والتروّي»، وأشار الأيوبي إلى أنّ «القوى السياسية المتردّدة تُبرّر موقفَها بمعارضة القوى الإقليمية لاستقلال كردستان، فمن جهة تخشى تركيا أن تنتقل عدوى الاستقلال (الحالة السياسية الجديدة) إلى كردستان تركيا، ما يُهدّد مصيرَ الجمهورية التركية من أساسها، وهذا ما يُفسّر مصير الموقف التركي الرافض للاستفتاء».
لافتاً إلى أنّ «الأكراد في تركيا يُشكّلون نحو 20 في المئة من عدد السُكّان وموجودون على رقعة جغرافية حسّاسة جداً جيو – سياسياً ومن ناحية الموارد الطبيعية إلخ»، مشدّداً على أنّ «الشيء نفسَه من جهة ثانية ينسحب على الحالة الإيرانية على الضفة الأخرى من حدود كردستان، وإيران أيضاً تخشى على نفسها من أن تتطوّر هذه التجربة فينجذب اليها أكرادُ إيران، ما يُهدّد الدولة الإيرانية بالتفكك».
أمّا الخوف الآخر، فهو من سلطات بغداد التي ترفض هذه التجربة، ورفض البرلمان العراقي للاستفتاء دليلٌ على ذلك، لأنّ هذه التجربة ستحرم هذه السلطات من كتلة سُكّانية ديموغرافية مهمة وواسعة جداً في المعادلة السياسية والاقتصادية والمالية، وفق ما أفاد الأيوبي.
وأوضح أنّ «الاستقلال سيحرم السلطات العراقية من الموارد الطبيعية، ولا سيما عندما ندرك أنّ هناك خلافاتٍ حول كركوك بين بغداد وأربيل وبين أنقرة أيضاً التي يُقال إنّ لها مزاعم جغرافية في المحافظة».
واعتبر أنّ «النظام السوري متردّدٌ علماً أنّ أكرادَ سوريا هم ضدّ الانفصال الكامل عن سوريا ويفضّلون الفدرالية التي تُوفّر لهم كينونةً وحيثيةً مستقلّة في النظام السياسي المقبل».
موافقةُ إسرائيل
وفي السياق، لفت الأستاذ المحاضر في العلاقات الدولية إلى أنّ «ما يستوقفنا هو معارضة كل الدول ما عدا إسرائيل على الاستفتاء، ووراءها الولايات المتحدة لأنّ الغرب مواقفه متباينةٌ في هذا الخصوص (فرنسا عارضت)»، مضيفاً أنّ «واشنطن تدعم الأكراد الذين هم حصان أميركي يلقى كل الدعم، وتأجيل الاستفتاء (مثلما تمّ طرحُه من أميركا والأمم المتحدة وبريطانيا) لا يعني تأجيل الفكرة، بل تأجيل الآلية التي يتم العملُ بموجبها عندما يريدون، غير أنّ هذا سيحصل والأميركيون مصمّمون على الذهاب إلى الآخر في الوقت المناسب».
وقال إنّ «الأميركيين يخشون كل الدول المجاورة، من الأتراك الذين لهم طموحات في المنطقة وهم جزءٌ من امبراطورية كبيرة مثلهم مثل الإيرانيين، ويعرفون أنّ العرب لا يمكن تطويعهم بسهولة». وأضاف أنّ «واشنطن ليس لديها سوى الحصان الكردي للاعتماد عليه وقد يكون مخلصاً لهم إذا تكوّنت دولتهم، ويصبح لها على ضفاف الفرات حليفٌ آخر غير إسرائيل»، مكرّراً أنّ «واشنطن مصمِّمة على قيام دولة كردية تضمّ جميع أكراد المنطقة على المستوى الاستراتيجي بعيد المدى».
وأكّد أنّها «تعتمد سياسة الخطوة خطوة، حيث تبدأ في العراق وتنتقل إلى دول أخرى لاحقاً لإنشاء الدولة الكردية المنتظرة»، موضحاً أنّ «أميركا تُمسك العصا من النصف لمجاراة بعض الدول، ولأنّها لا يمكنها خسارة أنقرة التي هي حليف مهم في المنطقة».
إلى ذلك، لفت إلى أنّ «ما يحصل ليس مناورةً عسكرية أو اختلافاً في وجهات النظر، بل إنه نزاعٌ وجودي حيث تستعمل جميع الأطراف كل الأدوات السياسية والديبلوماسية والعسكرية للحفاظ على وجودها»، مشيراً من جهة أخرى إلى أنّ «أيَّ تدخّل عسكري من أيّ جهة سيقلب كل المعادلات، حيث ستتمّ مثلاً إقالة حكومات وتنصيب أخرى حليفة وترفض الاستفتاء».