يأخذ رئيس السلطة السورية السابق بشار الأسد طائراته الحربية الى مطار حميميم «الروسي» لحمايتها من هجمات أميركية محتملة، بدل أن يمدّ الروس مظلّتهم الوقائيّة الى المطارات الموجودة فيها! وهم الذين نزلوا أصلاً في سوريا لحماية بقايا تلك السلطة من السقوط، ونجحوا في ذلك، على ما قاله وزير خارجيتهم سيرغي لافروف بوضوح سافر!
الخطوة ميدانيّة لكنّها بالغة الدلالة سياسياً وإعلامياً وأخلاقياً! وتعني مباشرة أنّ الأسد ومعه وخلفه كل منظومة الممانعة، وإيران على رأسها، يعرفون تماماً أنّ حدود الدور الروسي البطاش تقف عند المعارضة السورية وبيئتها. ونقطة في آخر السطر! وإنّ كثرة اللغو والمطّ والشطّ والتنظير التشبيحي، ودلق المصطلحات الطنانات في فضاءات الأماني والتمنيّات والمستحيلات، لا يغيّر في هذه الحقيقة حرفاً واحداً! وإن موسكو في بداية المطاف ونهايته، لم تأتِ الى سوريا كي تموت أو تقاتل من أجل الأسد وإيران، وإنما من أجل ما رأته وتراه مصلحة لها في لحظة دولية مؤاتية.
هذه بديهة تجاهلها أهل «الانتصارات الإلهية» طويلاً. وفي سياق عبثي ومعيب ومخزٍ منذ اللحظات الأولى لنزول الروس في سوريا وإعلانهم إطلاق «عاصفة السوخوي»: كانت أولوية الفتك بالعرب السوريين تتقدم عندهم على حقيقة التنسيق الروسي – الإسرائيلي المفتوح على مداه! وكانت لعبة النكران ذاهبة الى خواتيمها لو ركبت حساباتهم الأميركية مع سياسات الإدارة الجديدة برئاسة دونالد ترامب! بل لكانت ماكينة التبليغ والإرشاد والضخّ والطخّ السياسي والإعلامي عندهم، ذهبت الى ذروة حراكها الشامت بـ«الأغيار» المتهيمن بـ«صداقة» واشنطن، أو «التحالف معها»! وإلى ذروة التنظير القائل بأنّها موبوءة بعطبَين كبيرَين. «الأول تخليها عن حلفائها وأصدقائها من أجل مصالحها».. كذا. والثاني، انها «إنهزمت أمام صمود محور المقاومة»! وارتأت اعتماد سياسة «الحدّ من خسائرها» والتسليم بـ«الأمر الواقع» الجديد الذي يشير بـ«وضوح» الى أنّ أحاديّتها انتهت أمام الصعود الروسي والإيراني.. وإن «حقائق» المنطقة ترسمها الإرادات البديلة الراسخة فيها أصلاً، والتي زادها رسوخاً على رسوخ، تثبيت «دمغ الإرهاب بالإسلام الأكثري»! واعتبار دولة «الولي الفقيه» جزءاً مقرراً في إدارة شؤون العالم الحر ورعاية أنواره وحداثته!
واللعبة متسلسلة، أو بالأحرى متناسخة: تَنمّر الروس عندما غاب الأميركيون. وتواضعوا عندما عادوا! وتنمّر بشار الأسد بالإيرانيين بداية ثم «تواضع» وراح يلطم عندما فشلوا في الحدّ من تدهور وضعه على مجمل مساحة سوريا! وتنمّر الأسد والإيرانيون معاً بالروس عندما أطلقوا «عاصفة السوخوي» في أواخر أيلول 2015، وتراهم اليوم ينكفئون الى قاعدة حميميم، عندما التزم الروس حدود اللعبة المتاحة! بدايةً عند قصف مطار الشعيرات، ثم في وصول رهاناتهم على «صديقهم» ترامب الى الحائط!
المفارقة الأغرب ستكون، عندما يذهب الإيرانيون الى استنساخ الأداء الروسي، أو محاولة ذلك، إزاء إدارة أميركية مصممة على المواجهة!! وعلى قصقصة الجوانح الفالتة للمشروع الإيراني الطائر فوق الحدود والسدود!! وعلى إعادة ضبط التفلّت الذي أطلقه باراك أوباما!
.. أياً تكن مآلات ونتائج التوجهات والسياسات الأميركية الجديدة، فإنها قطعت بداية على الأقل، حبل «الانتصارات الإلهية» على شعب سوريا! وفتحت أبواباً ليتسرّب منها حُماة الأسد تباعاً! بانتظار أن تحمله إحدى طائرات حميميم الى قاعدة عسكرية.. ربّما داخل روسيا، لكن بالتأكيد خارج سوريا!