IMLebanon

«أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار»… متى تُنشأ؟ ومَن يُموّلها؟

 

رشّح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لبنان ليكون مركزاً دائماً للحوار بين مختلف الحضارات والديانات والأعراق، في كلمته أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، في 21 ايلول 2017. وخلال سنتين بين 2017 و2019 ظلّ عون متشبّثاً بإنشاء «أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار» في لبنان، وطرح هذه الفكرة وأهدافها على كلّ المنابر الدولية ومع كلّ زواره في القصر الجمهوري، من رؤساء دول ومسؤولين وفاعليات محلية ودولية، حتى أقرّتها الجمعية في 16 أيلول 2019. فما مغزى إصرار الرئيس على إبصار هذه الأكاديمية النور؟ ماذا بعد تصويت 163 دولة على إنشائها في لبنان؟ ما هي مفاعيل قرار الأمم المتحدة؟ متى ستُنشأ هذه الأكاديمية؟ وأين؟ كيف ستكون هيكليّتها؟ ومَن هي الجهة التي ستموّلها وتديرها؟

 

ينقل عون أفكاره عن نبذ التطرف وضرورة الحوار الى كلّ مَن يلتقيه، إضافةً إلى رؤيته لدور لبنان انطلاقاً من الطريق الذي رسمه البابا الراحل يوحنا بولس الثاني بقوله إنّ لبنان ليس وطناً، بل رسالة. رسالة يسعى عون الى إعطائها بُعداً ثقافياً وحضارياً، إضافةً إلى بُعدها الديني والروحي. لبنان رسالة التلاقي والحوار النقيض لبؤرة التطرف والتقسيم والتكفير والانعزال المحيطة به.

 

الأسباب الموجبة لإنشاء هذه الأكاديمية، إضافةً إلى الغايات المرجوّة منها، أعلنها عون حين طرح إنشاءَها في نيويورك عام 2017، وكرّرها في كلمته أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 2018، مثلما كرّرها في كلّ كلماته، وفي كلّ المناسبات، منذ طرحها الى الآن.

 

ويعتبر عون أنّ «الحاجة ملحّة الى مؤسسة تُعنى بتربية السلام، إذ وحدها ثقافة سلام وسماح جديدة تعلّم مبادئ العيش معاً أو ما يسمّيه البعض «العيش المشترك» يحترم فيه الإنسان حرّية المعتقد والرأي وحق الإختلاف، يمكنها أن تواجه الإرهاب وأن تؤسّس لمجتمعات قادرة على إرساء السلام بين الشعوب والأمم».

 

وبالنسبة الى رئيس الدولة فإنّ لبنان يُعتبر نموذجياً لتأسيس أكاديمية دولية لنشر هذه القيَم، وذلك لـ«مجتمعه التعددي الذي يعيش فيه المسيحيون والمسلمون معاً ويتشاركون الحكم والإدارة، ولما يختزن من خبرات أبنائه المنتشرين في كل بقاع الأرض، وما يشكّل من عصارة حضارات وثقافات عاشها على مرّ العصور».

 

الإجماع في الأمم المتحدة على إنشاء «أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار» في لبنان خرقته معارضةُ إسرائيل وتحفُّظ الولايات المتحدة الأميركية. وسبب عدم التصويت الأميركي مردّه التخوّف من أن يترتّب على منظمة الأمم المتحدة تكاليف مالية لإنشاء هذه الأكاديمية، على رغم نفي الجانب اللبناني ذلك، حسب ما يوضح مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الديبلوماسية السفير شربل وهبي.

 

وبعد الدعم والتأييد الأممي سيتحدث عون مجدداً عن الأكاديمية في كلمته أمام الجمعية الأسبوع المُقبل. لكنّ الأكاديمية لا تزال «فكرة». أما الخطوة التالية على طريق ترجمتها عملياً فهي موافقة عشر دول على الإنضمام إلى اتفاقية إنشائها، ثمّ توقيع الاتفاقية لتدخل حيّز التنفيذ. وسبق أن أعدّ لبنان مشروع اتفاقية دولية تُنشأ على أساسها الأكاديمية، جرى تعميمُه على الدول كلّها بإستثناء إسرائيل.

 

وينتظر لبنان موافقة 10 دول على هذا المشروع لتشكّل الدول المؤسسة للأكاديمية. بعدها تُشكّل الدول العشر مع لبنان مجلس أمناء يضع هيكلية الأكاديمية.

 

حالياً تدرس الدول مشروع الإتفاقية لتبدي موافقتها عليه أو تطرح ملاحظاتها ومقترحاتها على النص الذي وُضع في لبنان بصيغته الأوّلية باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية. عملية المفاوضات هذه أو الأخذ والرد مع الدول تتطلّب وقتاً. وإلى الآن أبدت 4 دول موافقتها على الإنضمام الى الاتفاقية لتكون من الدول المؤسِّسة، ومنها دولة عربية وثانية آسيوية وثالثة أوروبية. ويتحفّظ المعنيون عن ذكر أسماء هذه الدول.

 

قبل مباركة الأمم المتحدة نالت الأكاديمية مباركة دول وجهات عدة، أبرزها الفاتيكان ودول إسلامية، وكذلك فرنسا. أمّا قرار الأمم المتحدة، فيُعتبر تحفيزياً للدول الأعضاء على المشاركة في إنشاء هذه الأكاديمية، فالقرار عبارة عن مباركة دولية وغطاء أممي لهذه الأكاديمية، حسب ما يشرح وهبي.

 

على صعيد مضمون الاتفاقية، يتضمّن المشروع المُعمّم على الدول أهداف الأكاديمية الثقافية والعلمية. وعلى صعيد هيكلية الأكاديمية وبنيتها، يذكر نصّ الاتفاقية أنّ الأكاديمية تُنشأ بعد توقيعها من 10 دول وتأليف مجلس أمناء يكون قيِّماً على رسم سياسة الأكاديمية ووضع برنامجها وهيكليتها وأسس الأقسام فيها. ويكون مركز مجلس الأمناء في لبنان.

 

أمّا على مستوى تمويل إنشاء الأكاديمية وإدارتها، فتقع المسؤولية والأعباء على عاتق لبنان والدول المؤسسة ومَن يرغب من الدول الأخرى المساهمة في التمويل، إذ إنّ الأكاديمية ذات منفعة عامة ومفيدة لكل الدول ومفتوحة لكل الحضارات والثقافات. والعبء الذي يتحمّله لبنان الرسمي معنوي وإداري ومالي عبر تقديم الأرض التي ستُنشأ عليها الأكاديمية وتشييد مقرّها. وحين تُصبح الاتفاقية بصيغتها النهائية جاهزة للتوقيع تُعرض على مجلس الوزراء ثمّ تُحال الى مجلس النواب الذي يجيز إبرامها، ثمّ يوقّعها لبنان والدول العشر.

 

الزاوية المالية أو كلفة إنشاء الأكاديمية أمر ثانوي، يقول وهبي، الذي يركّز على «أهمية الأكاديمية وإفادتها للبنان، إذ إنها تستقطب باحثين ومفكّرين… ومشاركين في المؤتمرات والندوات والمحاضرات وطلاباً من مختلف أنحاء العالم، فسيكون مقرّ الأكاديمية مثل مقرّ أيّ منظمة عالمية في إحدى العواصم».

لكن هل يكون مقرّ الأكاديمية في العاصمة؟ لا يفاضل رئيس الجمهورية بين منطقة لبنانية وأخرى، بل يرحّب بأيّ قطعة أرض مناسبة. وفي هذا الإطار، أعلنت بلدية الدامور استعدادَها لتقديم قطعة الأرض اللازمة لإنشاء الأكاديمية.

 

ولن تكون الأكاديمية عبارة عن مركز محاضرات أو صالة ندوات فحسب، بل حسب تصوّر عون ستتّخذ طابعاً تعليمياً جامعياً دولياً، يضع الأمناء والخبراء والإختصاصيون نظامَها وأساليبَ التعليم فيها ومستوى شهاداتها وطريقة الدراسة وعدد السنوات… لكي تكون مثل أكاديمية لاهاي للقانون الدولي أو أكاديمية السلام في كوستاريكا.

 

وتستهدف أيّ إنسان يجد أنه في حاجة للتعرّف الى حضارة الآخر. كذلك، إنّ باب الأكاديمية مفتوح للمحاضرين والأساتذة والمفكرين من الدول الـ10 المؤسِسة ومن كل حضارات العالم العريقة، فمجالاتها متعددة وآفاقها واسعة.

 

ويعمل لبنان في المرحلة الحالية، من خلال وزارة الخارجية وسفراء الدول في لبنان، على تحفيز الدول للإسراع في درس الإتفاقية وتوقيعها. وينتظر لبنان ملاحظات الدول لإعادة صوغ النص النهائي للإتفاقية بعد إتفاق كل الدول عليه. فرئيس الجمهورية يأمل أن توُقّع الاتفاقية قبل انعقاد الدورة الـ75 للجمعية العمومية في أيلول 2020 لكي يتمّ إيداع نص الاتفاق الدولي رسمياً لدى الأمم المتحدة، ويتحوّل وثيقة من وثائقها يكون الانضمام إليها مفتوحاً لأيّ دولة، إضافة إلى الدول المؤسسة.