فجأة قرر حاكم مصرف لبنان رفع قيمة دعم المصرف المركزي للمحروقات بقيمة 160 مليون دولار يفترض ان تريح السوق بعض الشيء، ولو لفترة محدودة مع أنّ كل ما يتسرب عن المصرف المركزي يشي بأنّه بلغ قعر احتياطيه من العملات الصعبة ولامس الاحتياطي الإلزامي، ومن دون أن يعرف اللبنانيون من أين أتى سلامة بهذه الـ160 مليون دولار التي سيضخها في شرايين قطاع المحروقات. هو بالنتيجة، خبر قد يهدّئ قليلاً من روع من يقفون يومياً في طوابير الذلّ… لكنه مجرّد محاولة ترقيع لأزمة عميقة سرعان ما ستعود إلى الواجهة. مثلها مثل محاولات الدول الغربية التي تبدي حرصها على الاستقرار اللبناني.
منذ يومين حطّ وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في بيروت لساعات معدودة، في خطوة اعتقد البعض أنّها تمهّد لتسوية سياسية قد تؤدي إلى خروج الحكومة من نفقها المظلم وتعيد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، أسوة بما فعلته قطر في العام 2008 حين رعت اتفاق الدوحة الذي لم يصمد أكثر من سنوات قليلة. ولكن سرعان ما تبيّن أنّ تلك الزيارة لا تهدف إلّا لمدّ يد المساعدة المحدودة للبنان، وتحديداً للقوى الأمنية، حيث حطت أمس طائرتان محملتان 70 طناً من المواد الغذائية المقدّمة كهبة من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى الجيش اللبناني.
في هذه الأثناء، كانت السفيرة الفرنسية آن غريو والسفيرة الأميركية دوروثي شيا تقومان “بمشاورات ثلاثية مهمة مع السعودية لمناقشة الوضع في لبنان، والسبل التي من خلالها يمكنهم معاً دعم الشعب اللبناني والمساعدة في استقرار الاقتصاد”، وذلك في أعقاب بيان صادر عن الخارجية الأميركية ذكّرت فيه أنّه “على القادة اللبنانيين إظهار ليونة لتشكيل حكومة تطبق إصلاحات لإنقاذ الاقتصاد المتدهور”، تزامناً مع الإعلان عن زيارة منسق المساعدات الدولية من أجل لبنان السفير بيار دوكان إلى بيروت ليلتقي المسؤولين اللبنانيين.
بالنتيجة، العنوان الوحيد للحركة الدولية في ما خصّ لبنان، هو المساعدات الدولية، وهي ليست مساعدات مالية كما كان يفترض أن يحصل، وإنما صارت مساعدات غذائية، واستشفائية، عينية… أي هي مجرد بعض الاوكسجين لكي لا يموت المريض. ولكن لا حلّ انقاذياً بعد.
اللافت أنّ هذه التحركات الدولية الثلاثة أتت في أعقاب الكلمة التي وجهها رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أمام البعثات الدبلوماسية، والتي لاقت امتعاضاً من جانب السفيرتين الأميركية والفرنسية بعد تحميله المجتمع الدولي مسؤولية الوضع المأسوي الذي يصيب اللبنانيين، وقد باتوا “على شفير الكارثة”، داعياً المجتمع الدولي “للتحرك للإنقاذ”. وهو قصد بذلك أنّ الدول المعنية بلبنان تحاول الضغط على المنظومة السياسية من خلال ترك هيكل الدولة يتحلل شيئاً فشيئاً، إلّا أنّ الشعب هو من يدفع الثمن فيما تنتظر المنظومة السياسية من يتلقّف مطالبها من الدول الكبرى لاعادة انتاج تسوية سياسية…
ولهذا ثمة من يعتقد أنّ التحرّك الأميركي- الفرنسي قد يكون من باب تبرئة الذات وغسل اليدين من تهمة “تجويع” اللبنانيين و”افقارهم”، بفعل الحصار الدولي المضروب على لبنان، ولرفع المسؤولية عن إدارتي الدولتين، من دون أن يعني ذلك أنّ القوى السياسية اللبنانية ليست شريكة بهذا الحصار بسبب خلافاتها وحساباتها الضيّقة.
يقول أحد المواكبين للتحرك الدولي إنّ الدول المعنية بالملف اللبناني ليست بوارد تقديم طوق النجاة للمنظومة الحاكمة، ولهذا فإنّ الدعم الدولي لن يتجاوز المساعدات العينية والأساسية كي لا تدبّ الفوضى في البلد، ولهذا يتمّ التركيز على تحسين وضع القوى الأمنية كي تتمكن من الحفاظ على الأمن في حال تطورت الأوضاع الاجتماعية على نحو دراماتيكي أكثر. ويلفت إلى أنّ المشاورات الحكومية مقفلة ولا يبدو أنّها مرشحة لتغيير جذري في القريب المنظور، فيما تبيّن للخارج أنّه لا حلّ جذرياً في ظل المنظومة الحاكمة، ولا بدّ بالتالي من “قطع جذورها”، وقد لا يحصل ذلك إلا على قاعدة “التدمير الابداعي”، وبالتالي كل مشاريع الترقيع هي موقتة بالتوازي مع جرعات إنعاش القوى الأمنية وذلك منعاً للفوضى الكاملة