لا شك في أن الاستعدادات المدنية لمواجهة تداعيات العدوان الإسرائيلي الوحشي على لبنان قد أدّت، بشأنها، الدولة والمجتمع المدني، أدواراً كبيرة خفّفت من ضغوطها الهائلة على النازحين وعلى اللبنانيين عموماً أقصى الممكن والمتاح ضمن المستطاع. وهذا ما يعترف به النازحون، وينوه به العرب والأجانب أيضاً. هذا لا يعني أن الأمور على ما يرام مئة في المئة، ولكن هذه ذروة ما «في اليد» مع ظروف لبنان الاقتصادية والمالية والإدارية والسياسية، وتحت وطأة الأزمات اللامحدودة. وكان للمساعدات الخارجية، لا سيما من الأشقاء العرب، دور بالغ الأهمية في هذا المضمار، عبر الجسور الجوية من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة قطر، وسائر البلدان العربية، كلّ وفق قدراته.
إلّا أن ما يدعو الى القلق هو ما يتجاوز المساعدات الإنسانية على اختلافها، بالرغم من أهميتها الفائقة، كون المؤشرات كلها والدلائل والمعلومات ومسار الميدان في هذه الحرب العدوانية الشرسة يتقاطع عند توقع العمر الطويل للقتال الشرس وتداعياته الميدانية القاسية جداً… وما يعنينا هنا، في هذه العجالة هو المتوقّع من ازدياد مضطرد في أعداد اللبنانيين النازحين بما يفوق القدرة على الاستيعاب والمعالجة، إذ أن الدراسات لا تستبعد أن يصبح نحو ثلث الشعب اللبناني مهجَّراً من منازله ومناطقه وأرضه، في داخل البلد، وهو ما سيفوق، من دون أدنى شكّ، القدرة الرسمية والمدنية على مواجهة هذه الحال والتعامل معها. فليس ثمة ما يشير الى أننا ماضون الى وقفٍ لإطلاق النار في الأسابيع المقبلة. والمرجح أن بنيامين نتانياهو لن يقبل بالذهاب الى إنهاء عدوانه على غزة، وبالتأكيد على لبنان، قبل بدء ولاية الرئيس الأميركي الجديد، وليس بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في نحو أسبوعين من الآن. يحدث هذا في وقتٍ ترتفع وتيرة العدوان وتتضاعف نتائجه المأساوية، ما يزيد من الضغط الإنساني في مسألة النزوح على الأقل.
ولقد يكون مطلوباً، بإلحاح كبير، أن يُستنفَر اللبنانيون بمن فيهم المسؤولون الرسميون، وفي طليعتهم قيادة الجيش، كي لا يفلت الملق فنصل الى الحرب الأهلية التي يحذرنا كثيرون (وآخرهم الفرنسي) من أنها صارت على الأبواب. ونحن إذ نتكل على وعي اللبنانيين نضع اليد على القلب من أصحاب الأصوات المهووسة بالحرب التي تدعو (مباشرةً أو مواربةً) الى الفتنة.