انطلقت أمس جولة مشاورات موسكو الثانية في شأن الازمة السورية في العاصمة الروسية، بمشاركة وفد الحكومة برئاسة مندوب سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري وممثلين عن تيارات معارضة الداخل وأحزابها وغياب الائتلاف السوري.
وفق القيّمين على منتدى موسكو التشاوري فإنّ هذا اللقاء سيطرح ملفات جديدة ومهمة على طاولة التفاوض، الامر الذي سيفتح الأبواب امام التوصل الى توافقات معينة في ملفات محدَّدة.
ولكن على رغم محاولات الخارجية الروسية إحاطة الجولة الثانية من المشاورات بسرّية تامة إلّا أنّ التداول في اليوم الاول بين أوساط الوفود المشارِكة خارج الأبواب المغلقة لا يزال في مربع الموضوع الإنساني حيث يجرى التركيز على سبل توفير المساعدات لملايين السوريين النازحين داخل الوطن، كما أنّ تطورات الميدان فرضت نفسها على جلسات الحوار، وذلك بعد سيطرة «داعش» على مدينة ادلب واليرموك في ضواحي دمشق.
لا شك في أنّ مكافحة الارهاب والازمة الانسانية هما عنصران أساسيان في أيّ عملية تفاوضية في الشأن السوري، إلّا أنّ كلّ المحاولات السابقة في هذا الشأن لم تخرج عن إطار إيجاد حلول موقتة، وهذا ما تمثل بخطة المبعوث الاممي ستيفان دو ميستورا في التوافق على هدنات محلية لتوفير المساعدات الانسانية، كذلك فإنّ اصطفافَ دول كبرى في تحالف عسكري ضدّ الارهاب لم يأتِ بأيّ نتائج تُذكر على طريق الحلّ النهائي للازمة، فعلى رغم الضربات الجوية لمواقع «داعش» فإنّ هذا التنظيم لا يزال قادراً على معاودة التموضع بين منطقة واخرى.
وبالتالي فإنّ كلّ ما يجرى التركيز عليه دولياً لا يشكل أداة فعالة لتقريب وجهات النظر بين الاطراف السورية المتنازعة في اعتبار أنّ هذين الملفين هما في الأساس لا يندرجان ضمن لائحة القضايا الخلافية.
ولا شك في أنّ الروس سيحاولون بالمقدار المستطاع الضغط وتسهيل الامور في سبيل تحقيق أيّ تقدّم في مسار البحث عن حلّ سياسي للازمة، ولهذا الغرض كانت موسكو قد أوفدت بعيداً من الاضواء منسقَ المنتدى فيتالي نعومكين الى دمشق قبل اسبوعين للنقاش مع اصحاب القرار في اجندة الحوار لتحديد سقف التنازلات في بعض القضايا، في اعتبار أنّ موسكو نادت منذ البداية ولا تزال بعدم الرهان على الحسم العسكري.
ومن جهة أخرى فإنّ مواقف أطياف المعارضة المشارِكة تُظهر تفاوتاً واضحاً في تحديد الأولويات، فالبعض يرى أنّ مشاورات موسكو السابقة قد حققت مكاسب مهمة إذ إنها ساهمت الى حدٍّ كبير في الافراج عن عدد كبير من المعتقلين السياسيين في البلاد، كما أنها فتحت ابواباً جديدة للعودة الى تطبيق بنود بيان جنيف في اعتباره المرجعية الاساسية للحلّ انطلاقاً من حصوله على موافقة جميع الاطراف.
وفي الوقت الذي لا يعير فيه بعض الاطراف اهتماماً لغياب ممثلين عن الإئتلاف المعارض يرى البعض الآخر أنه لا يمكن استثناء أيّ طرف سوري فاعل في الحوار، علماً أنّ موسكو لم تستثنِ احداً من دعواتها.
وفي موازة ذلك، تؤكد اوساط اللجنة المشرِفة على تنسيق المشاورات أنّ موسكو تقف على حياد تام وجلّ ما تقوم به هو محاولة توفير المناخات المناسبة لكي يتمكن المشاركون من توسيع رقعة النقاط المشترَكة للبناء عليها لاحقاً في أيّ حوار محتمَل.
وتكرّر هذه الاوساط مواقف روسيا الثابتة من حيث عدم وجود بديل من تسوية الأزمة سياسياً ودبلوماسياً وبالسبل السلمية، خصوصاً أنّ تجربة السنوات الاربع الماضية قد أثبتت أنّ الرهان على الميدان لم يأتِ إلّا بمزيد من الدم والدمار.
ولا تنفي الاوساط نفسها أنّ مكافحة الارهاب والازمة الانسانية يتصدّران جدول اعمال اليوم الاول في لقاءات المعارضة في ما بينها، وتأمل في أن يتمكن منتدى موسكو الثاني من تحقيق تقدّم في التوافق على بنود الحلّ السياسي.