Site icon IMLebanon

عاد الإنسان إلى الإنسان… عاد… عاد

 

عاد معظم اللبنانيين خلال الأيام الماضية الى قيمهم الوطنية الجامعة عندما بادروا الى المساعدة والتعاضد واعتبار فاجعة مرفأ بيروت كانت تستهدف كل بيت وأسرة وقرية وبلدة ومدينة على امتداد لبنان… عاد الكثيرون الى ذكريات الأيام الموجعة على مدى عشرات السنوات العجاف… عاد تجار الحروب والنزاعات الى لغتهم القديمة باستثارة الغرائز واستغلال الآلام الناس… عاد هواة الاصطفافات الطائفية والمذهبية الى صناعة الكراهية بين أبناء الأسرة الواحدة والوطن الواحد… عاد أبطال المعارك الوهمية الى محاربة طواحين الأهواء والرغبات.

 

عاد عباد السلطة والمغانم الحكومية الى التناحر والتسابق على التعطيل والبيع والشراء بمستقبل لبنان… عاد خبراء العبث بالقواعد والمعايير بتسريب الأسماء والأكاذيب الإقليمية والدولية… عاد رواد الفشل إلى التغريد والنواح وصناعة الإحباط… عاد أصحاب الأحقاد القديمة الجديدة إلى المجاهرة بغرائزهم الثأرية وتصفية الحسابات… عاد رموز الماضي إلى استحضار كل أدبيات القتل والدمار لمنع التقدم والازدهار… عاد بعض الإعلام إلى قديمه الجديد واستباحة كل المحرمات… عاد رموز الفساد إلى الحديث عن الإصلاح ومحاربة الفساد… عاد أمراء الخراب إلى الحديث عن الإنماء والإعمار.

 

عاد شابات وشباب لبنان إلى الخوف من (راجح المجرم) الذي يقتل الأبرياء ويقطع الطرقات ويدمر مستقبل الأجيال… عاد الوجدان الوطني إلى الاضطراب باستحضار أوجاع وعذابات الآباء والأمهات والأجداد… عاد التفكير بالهجرة والاغتراب يتصدر كل الأولويات… عاد اليأس إلى تحطيم الإرادات وتمزيق الأحلام… عاد الكذب والرياء والادعاء ليبدد الحقائق ويعبث بالوقائع والقرائن والإثباتات التي تسببت بتدمير البيوت وقتل المئات وتشريد الآلاف… عاد المنجمون والمنجمات للتباهي بصواب توقعاتهم السوداء بالموت والخراب.

 

عاد وكلاء المخابرات والسفارات إلى تزوير نتائج امتحانات إعادة تكوين السلطة في لبنان… عاد التجبر والتكبر والاستعلاء يتعاظم لدى عشاق السلطة على كافة المستويات… عاد أرباب المصالح والتعهدات والصفقات إلى استكشاف اتجاهات الرياح السياسية والمرافئ الآمنة لاستكمال عمليات السمسرة ونهب المال العام… عاد التألق الى قيم الرعاية الاجتماعية عبر الأيادي البيضاء لشابات وشباب لبنان الذين تنادوا إلى التطوع والانخراط في تشكيلات جديدة ونظيفة تقدم الخير العام على النفع الخاص.

 

عاد الدفء والمودة والحنان إلى التواصل الواقعي والافتراضي بين الناس… عاد التلاحم الأسري وحسن الجوار إلى يوميات المجتمعات… عاد التكافل والتراحم ليبدد التباعد والتنافر بين الفئات والطبقات… عاد النجارون والحدادون والدهانون والكهربائيون ليشاركوا الأسر المنكوبة مواجهة تحديات فجيعة الانفجار… عاد الأهل والأقرباء والأصدقاء يتقاطرون للسؤال والاطمئنان… عاد الأمل والرجاء بولادة جديدة من عمق المأساة… عاد الفرح والألوان والغناء ليمزق سكون الكآبة ويبدد رماد الدمار وسواد الحرائق والدخان.

 

عاد القلب إلى الخفقان بعيدا عن مشاعر الكراهية والعداء … عاد الشوق إلى سكينة الماضي ودفء الذكريات… عاد العقل إلى الاتزان والتمييز بين الخطأ والصواب… عاد السلام والأمان يتقدمان على الحروب والنزاعات… عاد البريق والنقاء إلى عيون الأطفال… عاد الزجاج إلى نافذة ليليا لتستعيد شجاعتها وتحفزها على نجاحها وتألقها… عاد علم السؤال أقوى من غوغاء الإجابات… عاد الصمت والتأمل يخيم على كل تفاصيل الحياة بعد هول الانفجار… عاد ندى الصباح يروي عطش الحدائق والأزهار… عاد الإنسان إلى الإنسان… عاد… عاد.