أيّ حكومة سيترأس سعد الحريري إن كان لا يمون فيها على ثلث وزرائها؟ وهل هذه حكومة قادرة على تحييد لبنان وحمايته أو إنقاذ إقتصاده وثلثها المعطّل من يد مالك إلى يد هالك؟ أيّ حكومة هذه التي تشكّل ومشهد إطاحة سعد الحريري في أوّل حكوماته ومن على باب البيت الأبيض، يطلّ برأسه من وراء رئاستها في كلّ لحظة؟ ما الذي تبقّى من اعتبار «الرئاسة الثالثة» وفريق حزب الله وحلفائه يتقاذفون مهمّة تعطيل دورها وتقزيمها، إلى حدّ يبدو فيه أضعف رؤساء الحكومات قبل الطائف في موقع أقوى بكثير من موقع الرئاسة الثالثة اليوم؟!
العقدة، ليست في «فركشة» إعلان تشكيل الحكومة في لحظاته الأخيرة ووضع عقدة وعقبة جديدة في طريقها تحت مسمّى «توزير سُنّة 8 آذار»، بل هو مسار متبّع منذ أشهر في وضع العقبات وتجميعها في طريق الرئيس المكلّف تتعثّر عمليّة التشكيل برمّتها، و في الحقيقة هؤلاء سُنّة بشّار الأسد، أتى بهم النظام السوري وبآبائهم من قبلهم وأقاموهم حيث يريدون ليستخدموهم في منع المصالحة المسيحيّة ـ الإسلاميّة وتظهير صورة العيش المشترك، وظل السوريّون يردّدون جملة واحدة «نحن نقبل بما يتّفق عليه اللبنانيّون» وهم في الحقيقة يمنعون أي صورة وشكل من أشكال هذا الاتفاق، وكلّ من سار في هذا الطريق نظّموا له عمليّة اغتيال ليكون عبرة لغيره!
وهؤلاء ليسوا سُنّة 8 آذار، هؤلاء «سُنّة» حزب الله يستخدمهم متى شاء وكيف شاء، وقد اعتاد اللبنانيّون عند كلّ مفترق لتشكيل حكومة جديدة أن يُقيم الحزب قيامة البلد لفرض توزير «فيصل كرامي» بصرف النّظر عن نتائج انتخابات أيار الماضي، وفي كلّ مرّة كان حزب الله يوزّر كرامي من حصّته، هذه المرّة يريد الحزب وحلفاؤه الإمعان في إذلال الرئيس المكلّف بإكراهه على توزير صوت محسوب لحزب الله ومن حصّته هو، فهل هناك من هو أوقح و»أجقم» من هذا الحزب من بين كلّ الأحزاب السياسيّة التي عرفها العالم؟!
في أيلول الماضي بالكاد لوّح الحريري بكلمة إعتذار، وتكمن المشكلة الحقيقيّة في أنّ حزب الله مدركٌ أن الرئيس سعد الحريري مشى بالتسوية الرئاسيّة لرغبته «الشديدة» في العودة إلى رئاسة مجلس الوزراء، ولو شعر هذا الحزب للحظة واحدة أن الرئيس الحريري «مستغنٍ عنها» وأنّ قراره بالاعتذار عن التكليف جدّيٌ جدّاً لكان حزب الله هو المساع الأوّل لوقف تحكمات وزير الخارجية التي عطّلت تشكيل الحكومة أشهراً خمسة، وحلحل العقد طمعاً في تشكيل الحكومة في أبكر موعد ممكن، ولكن!
من يسمع كلام معاون أمين عام حزب الله الحاج حسين خليل وهو يتبجّح عن مجرّد احتمال اعتذار الرئيس سعد الحريري «أمر غير وارد» يُدرك أن حزب الله لم يفكّر حتى في أنّ الرئيس المكلّف قد ينحو إلى الاعتذار هو احتمال غير وارد، فلماذا لا يُعقّد ويُعرقل، في الأساس سياسة تطويل البال إلى هذه الحدّ القاتل جعلت بعض الفرقاء يركبون ظهر عمليّة تشكيل الحكومة ويوجهونها كيف شاؤوا، وبكلّ الأحوال ليس سرّاً أنّ جماعة حزب الله والتيار الوطني الحرّ «ما بينعطوا وجّ»، وأنّهم إذا أعطيتهم إصبعاً يطمعون باليد كلّها، وربّما أكثر!
حتى الاعتذار عن تشكيل هذه الحكومة لم يعد كافياً لردّ اعتبار الرئاسة الثالثة أو حفظ ماء وجهها، أمام فريق فاجر لا يعرف للحياء سبيلاً!