كانوا يقولون ان المصلح بين المتخاصمين، يأكل ثلثي الصفعات بين المتضاربين، من هنا وهناك.
ولهذا فقد كثر المتحمسون للعماد عون ولأخصامه.
وتقلص عدد رواد الصلح بين المتصارعين.
وجفَّ منسوب الثناء والشتّامين.
ولذلك، فقد تراجع عدد المادحين للحكومة.
وتراجع ايضا فريق الناقدين لهذا، او اللائمين لذاك.
ويقول الاستاذ فيليب بولس في حقبة الستينات، ان الاشادة بكلام المسؤول، ليس نعمة يغدقها المراقب، على صاحب الثناء.
كما ان الملامة للمسؤول، ليست نعمة يقدمها الانسان بهدف الثناء.
وكان نائب الكورة يقول للرئيس فؤاد شهاب، ان الذي لا يمدح ولا يسيء وحده يستحق الثناء.
لماذا، لأن التعبير المجرد عن الفائدة، لا غنى فيه ولا معاداة.
ولذلك، فان رئيس مجلس الوزراء تريث في الكلام بادئ الامر.
وعندما أمعن المتكلمون في ثنائهم، أو تقلص عندهم التعريض بالسياسيين، ظهرت الحقيقة المغيبة عن لعبة الثناء أو صرخة الملامة، لأن المطلوب نشدان الكلام البليغ، ساعة تصبح البلاغة بضاعة غير رائجة في الاسواق.
وخلال ٢٤ ساعة، طفح الكيل عند الناقمين، الذين درجوا على تسميته ب الدهاء.
وهو اقرب الى التلاعب بالالفاظ، والاقرب الى المناداة منه الى الحساب.
كان الاستاذ عبدالله المشنوق، يقول رأيه ويمشي، وعندما احب صاحب بيروت المساء ان يسمي الاخطاء بأسماء اصحابها، ويقول رأيه بصراحة، رفض انتقاد زملائه، معتبرا ان كلام الاحرار هو المطلوب، ويصعب على الآخرين محاسبتهم عليه، ذلك ان التطرف في قول الحقيقة هو اعتدال لا تطرف، بل هو مغناة ينشدها الانسان ويرددها، عند اللزوم.
***
سمع الوزير والنائب محمود عمار، عندما كان وزيراً، عندما اندلعت حرب بوسطة عين الرمانة مرجعاً ينتقد قول الحقائق من الراديو، لكنه اتصل بالاذاعة الرسمية، وأدلى بصوته، مقررات المجلس الوزاري، برئاسة الرئيس رشيد الصلح.
لماذا الخوف من قول الحقيقة، يبقى مصيبة اللبنانيين؟
ولماذا يتردد المسؤول في تفسير ما يحدث، للتستر على الواقع.
كان وزير الاعلام يومئذ، يؤكد للناس ان باب الانقاذ لا يبدأ بالثناء على الحاكم، بل بقول الحقائق وسرد الوقائع على الناس.
هل يعلو صوت الحقيقة الآن، بمجرد الإطراء، على هذا المسؤول أو ذاك؟
بهدوء يقول معظم الأفرقاء: نعم.
وعند ضمور الحقائق يختلط نابل الواقع بحابل الغرض، وتذوي المعلومة، وتذوب في خضمّ التفاصيل!!
معظم ما يجري الآن، سببه تبييض الوجوه.
لا أحد يحب تسويد وجهه مع أحد.
وهذا هو العيب السياسي في أيام القحط السياسي.
رأى قائد سياسي، نائباً يكرر أقوال سواه من تجار المواقف.
ضحك من أعماق قلبه، على ما سمع وراح يردّد بأن النكتة أفضل من الحكمة في زمان التجارة بالمعلومات.
هل هذا ما يمهّد لرحيل الكذبة عن عالم الحقائق.