«هنغاريا تُساعد» هو عنوان برنامج تعمل دولة هنغاريا (أو المجر) على تطبيقه في الدول التي تضمّ المسيحيين من جميع الطوائف في الشرق الأوسط، ولا سيما في لبنان، بهدف تشجيعهم على بقائهم فيه، ودعم ذلك مالياً لتعزيز أوضاع المجتمعات المسيحية التي تُواجه الكثير من الصعوبات. وتشمل هذه المساعدة ترميم وبناء الكنائس بهدف إبقاء المسيحيين حيث هم بدلاً من تشجيعهم على ترك بلدانهم، تقديم منح دراسية جامعية، وتوقيع إتفاقية أمنية دفاعية للحفاظ على أمن واستقرار البلد، ما من شأنه أن ينعكس على دول المنطقة كما على الدول الأوروبية، فضلاً عن تعزيز اتفاقيات التعاون الثنائي التجاري والاقتصادي بين البلدين.
وأفادت المعلومات بأنّ هنغاريا التي تُساعد لبنان قد قدَّمت حتى الآن مبلغ مليون ونصف مليون دولار أميركي لتنفيذ مشروع ترميم 33 كنيسة في غضون 24 شهراً، بدأت في نيسان من العام الماضي، وانتهت المرحلة الأولى منها من خلال ترميم 14 كنيسة موزَّعة على مناطق جبيل والبترون والكورة. أمّا المرحلة الثانية من المشروع فبدأت رسمياً في 8 أيّار الجاري، والتي ستشمل الـ 19 كنيسة المتبقية والموجودة في مناطق لبنانية أخرى ضمن البقاع والشمال. كما قامت بتقديم 50 منحة دراسية جامعية سيستفيد منها 37 طالباً لبنانياً هذا العام، على أن تُشارك على مستوى الحفاظ على الأمن في المنطقة الجنوبية اللبنانية في زيادة عديد الكتيبة المجرية (أو الهنغارية) من ضمن قوّات «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان، والتي تضمّ حالياً 4 جنود فقط، فيما سيصبح عددهم قريباً 54 جندياً.
وتأتي الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية والتجارة الهنغاري بيتر سيارتو الى لبنان من ضمن جولته على عدد من المسؤولين السياسيين فيه في إطار انتهاء المرحلة الأولى من مشروع ترميم الكنائس اللبنانية وإطلاق المرحلة الثانية منه، وتحديداً لتدشين كنيسة مار نهرا في سمار جبيل (الذي جرى الأربعاء الفائت) والتي هي إحدى الكنائس التي جرى ترميمها من الهبة المالية المجرية القيّمة سيما أنّ رمزيتها تعني الحفاظ على تاريخ المسيحيين في الشرق وترميمه، وتأمين استمرارية بقائهم فيه. ويدلّ ذلك، على ما أشارت مصادر سياسية مطّلعة، على اهتمام هنغاريا في متابعة مشروعها في إطار مساعدة لبنان على الصعيد الديني كما التربوي والأمني، فضلاً عن مساعدته على ترويج فكرته لدى الدول الأوروبية الأخرى عن «ضرورة تشجيع العودة الآمنة للنازحين السوريين الى بلادهم في المرحلة الراهنة من دون انتظار الحلّ السياسي للأزمة السورية، بدلاً من تمويل بقائهم فيه وفي دول الجوار المضيفة للنازحين». كما تعمل هنغاريا على حضّ الاتحاد الأوروبي على تقديم دعم مالي إضافي للبنان، وخصوصاً أنّها تثمّن ما يقوم به لمساعدة عودة النازحين الى المناطق الأصلية التي فرّوا منها، بدلاً من تشجيعهم على البقاء فيه. وأبدت استعدادها، على لسان وزير خارجيتها لمساعدة لبنان على المستوى الدولي لتغيير مقاربة المجتمع الدولي فيما يتعلّق بمسألة النازحين وتأمين عودتهم الى بلادهم.
وعن اختيار الكنائس التي يشملها المشروع الهنغاري، يقول رئيس جمعية «طاقة الإيمان اللبناني» المحامي لوران عون انّه رسا على تلك التي لها طابع إرثي وتاريخي. وقد عملت جامعة الروح القدس- الكسليك، وجامعة القدّيس بطرس الكاثوليكية الهنغارية (في بودابست) وفريق عمل جمعية «طاقة الإيمان المسيحي» على اختيارها بهدف الحفاظ عليها كإرث تاريخي للمسيحيين. وكشف أنّ المرحلة الأولى من المشروع التي انتهت، قد شملت 14 كنيسة هي: مار فوقا في أميون، كنيسة السيدة في جعيتا، مار تادروس في إدّة- جبيل، مار نيقولا في بحديدات، مار تقلا في شيخان، وكنيستا مار جرجس ومار بطرس في تنّورين، وكنيستا مار نهرا والسيّدة في سمار جبيل، ومار يوحنّا في حردين، والقدّيسة تقلا في شامات، ومار سابا في كفار حيّ ومار اسطفان في بسبينا، ومار ضومط في تولا- البترون.
وأشار الى أنّ «ما نقوم به من إعادة إحياء التراث الإيماني والديني، يُساهم في إعادة إحياء الهوية اللبنانية لأنّ المرء يتذكّر عندئذ عظمة أن يكون لبنانياً. ومن خلال ما تقوم به الجمعية من نفض الغبار عن الدروب التي سلكها قدّيسو لبنان من شربل الى رفقا والحرديني وسواهم، فإنّها تهدف الى القول للبنانيين، مقيمين ومغتربين، انّ لبنان ليس فقط بلد المطاعم والملاهي، إنَّما هو أرض مقدّسة ودروب قدّيسين. ولهذا هي تعيد إحياء الهوية اللبنانية من خلال ترميم الكنائس، والعودة الى الجذور من خلال الحفاظ على الإرث التاريخي المسيحي.
وتقول المصادر نفسها انّ ترميم الـ 33 كنيسة من الهبة المجرية هو جزء ممّا يُسمّى «برنامج طموح» يشمل ترميم ألف كنيسة في المناطق اللبنانية كافة، ولهذا فإنّ لبنان يأمل أن تحذو دول أوروبية أخرى ذات إمكانات ضخمة حذو هنغاريا في مساعدة لبنان على تنفيذ هذا المشروع الضخم. فترميم الكنائس في لبنان ضروري للمساعدة في الحفاظ على دوره الديني والتاريخي، كما لتنشيط السياحة الدينية فيه، والتي يعمل لبنان على تعزيزها من خلال الإتفاقية التي سيجري توقيعها في حزيران المقبل في قبرص والتي تشمل «الطريق الفينيقي» الذي يربط كلاً من لبنان وقبرص واليونان سياحياً، كما من خلال إعادة إدراج لبنان على خارطة السياحية الدينية للعام 2019 من قبل الوكالة الفاتيكانية للسياحة الدينية والحجّ. وأشارت الى أنّ من شأن ذلك تنشيط العجلة الإقتصادية في لبنان من خلال الحركة السياحية التي يأمل لبنان أن تعطي ثمارها في العام الحالي، على أن يبرز لبنان كبلد يستحقّ أن يكون مركزاً لحوار الحضارات في الشرق الأوسط.
وفي رأي المصادر، فإنّ الحفاظ على إرث لبنان المسيحي العريق لا يُعزّز بقاء المسيحيين فيه فقط، إنّما يعيدهم الى جذورهم ويجعلهم يتمسّكون بها كمنارة لجميع المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط. ولهذا تبدي هنغاريا حماستها لاستكمال مشروع ترميم وبناء الكنائس، كما للمزيد من التعاون مع لبنان في مختلف المجالات حتى بعد انتهاء هذا المشروع في العام المقبل، على ما يُفترض.