IMLebanon

الجوع سبق كورونا!

 

لا نستطيع حالياً طمأنة الحكّام والزعماء والسياسيين في لبنان إذا كان عدد المسيحيين المصابين بفيروس كورونا أكثر أو أقلّ من المسلمين، حتى يعلموا كيف يتصرّفون… لكن يمكننا الجزم أنّ كورونا كافرة، ملحدة، ولا تؤمن بالله، وهي بطبيعة الحال لا تعرف التفريق بين الطوائف والأديان، ولا حتى بين غني وفقير، مسؤول أو مدعوس، أو بين مدعوم ومعدوم. وبما أننا أرحناهم من المعضلة الوحيدة التي تشغل بالهم، لا بدّ أن نزعجهم الآن بأن يتحرّكوا ويبادروا إلى اتخاذ قرارات مصيرية قد تسهم في إنقاذ جمهورهم قبل غيرهم.

 

عندما سألناهم عن الإنجازات في السياسة قالوا «ما خلّونا»، وعندما سألناهم عن الكهرباء والاتصالات والمياه قالوا «ما خلّونا»، وكذلك في الاقتصاد والمال والتجارة والزراعة والتعليم والطبابة والخدمات.

 

لكن في صحّة اللبنانيين هل ستقولون «ما خلّونا» أيضاً؟ وهل ستجدون المبررات لتقاعسكم وفشلكم وسوء إدارتكم؟ هل ستجدون بينكم طائفة محصّنة بعقيدتها ضد كورونا وتبعاتها؟

 

يا دولتي، الجوع سبق كورونا، وطرق أبواب اللبنانيين جميعاً من الشمال إلى الجنوب، ويطرق بلا ملل على أبواب وشبابيك مئات آلاف العائلات الخائفة من الجوع أكثر من المرض… عائلات لا تجد ثمن ربطة خبز أو قطعة جبنة، فمن أين لها شراء قناع ومعقّم، وبأي رفاهية تتحمّل البقاء محجوزة في منازلها وهي تعلم أن الخبزة والزيتونة لا تحملها عربة تجرّها غزلان ولا تدخل من المدخنة؟

 

يا دولتي، اوستراليا خصّصت 189 مليار دولار لمساعدة شعبها في مواجهة أزمة كورونا، وستقدّم 1100 دولار شهرياً للعاملين والعاطلين عن العمل.

 

الأردن، جارتنا العزيزة الصغيرة، أمر مصرفها المركزي بلسان حاكمه كل المصارف التجارية تأجيل سداد أقساط قروض الأفراد والشركات الصغيرة حتى انتهاء الأزمة، فضلاً عن ضَخّ مبلغ 710 ملايين دولار في احتياطي المصارف.

 

فرنسا قدّمت 45 مليار يورو لمساعدة الفرنسيين من أصحاب المؤسسات الصغيرة والذين توقّفت مداخيلهم بسبب الحجر الصحّي.

 

فنلندا وضعت 5 مليارات يورو بتصرّف الحكومة لمساندة الشعب في محنته.

 

كندا رفضت أن تؤّثر كورونا على شعبها بأي طريقة من الطرق، وقدّمت 20 مليار دولار لمساعدة أي متضرّر في هذه الأوقات الصعبة.

 

وأنت يا دولتي، ماذا فعلت؟

 

هل انتبهت إلى حظر التجوّل الرخو الذي لم يمنع الآلاف من الاختلاط في الأسواق والشوارع ودور العبادة، وأجّج انتشار كورونا؟

 

هل سمعت المصارف التي سرقت أموال اللبنانيين كيف تطالبنا مع كل طلعة شمس بسداد أقساط قروضنا؟

هل رأيت أصحاب الشقق يطردون المستأجرين المتخلّفين عن دفع الايجار؟

 

هل لمحت القوى الأمنية تسطّر محاضر ضبط بالمتأخرين عن سداد رسوم الميكانيك وتحجز سياراتهم؟

هل رأيت الشركات التي تطرد موظّفين تعسّفياً بسبب الأوضاع الاقتصادية المفروضة قصراً على الجميع؟

 

هل رأيت سائقي التاكسي والمياومين وأصحاب المحال الصغيرة يستعطون لقمة لأولادهم أو ثمن دواء؟

هل رأيت التجّار السفّاحين الذين رفعوا بشكل جنوني أسعار مواد التعقيم والتطهير والكمامات؟

 

هل انتبهت إلى أنّ وزارة الصحّة تمنع أو تؤخّر أو تعرقل حتى هذه اللحظة استيراد أجهزة الفحص السريع لفيروس كورونا، والذي يمكن أن ينقذ حياة الآلاف؟

 

ربما دولتنا لا تملك المال حتى تَهبه لشعبها في هذه الأزمة، لكن نحن نملك مليارات الدولارات المنهوبة من أشخاص معروفين، ويمكن لاستردادها أن ينقذنا ويخلّص بلادنا… ربما دولتنا تملك النيّة، وهي لا تحتاج إلّا إلى الحزم في لجم شهيّة التجار، وقطع يد السارقين، ومعاقبة الذين يصطادون في مياه كورونا لتسجيل موقف سياسي أو مربح مادي.

 

إذا كان التاريخ سيرحم، ولن يرحم، الذين سرقوا اللبنانيين وحوّلوا جنّتهم إلى جحيم طائفي منهوب ومديون وملوّث ومريض، فإنه لن يلوّث صفحاته باسم أيّ مسؤول استهتر بخطر كورونا وتبعاتها المعيشية والاقتصادية، وسيطهّر أرشيفه من هذه الأسماء النتنة قبل أن يرميها مع كمّامات الأولاد الناجين من ويل هذا الفيروس.