الشِّكاية اليوميّة أمر معتاد ومألوف لدينا كشعب لبناني، غالباً، معظمنا، إن لم نقل كلّنا إلا من رحِمَ ربي، مصابٌ بهذه المتلازمة، ولكن، على هامش «الرَّدْن والنقّ» اليومي هل سألنا أنفسنا عن حجم تواطئنا مع هذه الدّولة على أنفسنا؟
خلال اليومين الماضيين تداول اللبنانيّون عبر تطبيق الواتس أب نصّاً يختصر الحقيقة «الفجّة» وهذا النصّ هو بمثابة صرخة يجب أن يصل صداها إلى كلّ الذين يديرون «دينة الطّرشا» وعلينا أن نتساءل مع هذه الصرخة «حين يقفز سعر الكمّامة من الـ 250 ليرة إلى 3000 ليرة ويرتفع سعر المعقّم من 3000 ليرة إلى 15000 ألف ليرة ويمتصّ بعضنا دم أخيه مستغلّاً الظّروف الصعبة! عندها ندرك أنّنا نصف العصابة»!!
عمليّاً؛ نحن أكثر من نصف العصابة، فقد تضاعفت أسعار المواد الغذائيّة أضعافاً من دون أن يكترث التجار أو يرحموا حال المواطن اللبناني الذي قد يكون توقّف راتبه، أو بات يقبض نصف راتب، ويقف أمام احتياجات أطفاله وبيته عاجزاً، ومدركاً أنّ نصف العصابة هذه لن تجد من يحاسبها فهذا موسم الاستفادة، من المؤسف أنّه في الوقت الذي نحتاج فيه إلى التكافل والتضامن والتعاون نجد هناك من يسارع إلى سلخ اللبناني حتى العظم غير آبهٍ بحال الآخر ووضعه متجرّداً من أي إنسانيّة وكلّ رحمة، وأقول بصدق ثمّة حكايات كثيرة كنتُ أقرأها عن مجاعة العام 1913 أو سمعتها من كبار العائلة ولم أكن أستطيع أن أصدّق من أخبارها أنّ هناك لبنانيّ باع لبنانيّاً آخر حفنات طحين مقابل قطعة أرض يملكها، هذه الأيام جعلتني أصدّق هذه الحكايات والتخوّف من تكرارها، بسب عصابة نصفها يفرض على المواطن أن يبقى في بيته عاطلاً عن عمل يؤمّن له قوته وقوت عياله، ويتجاهل أنّ واجب هذه الدولة أن تؤمّن الحدّ الأدنى على الأقلّ من هذا القوت لإبعاد شبح الجوع عنه، ونصف عصابة آخر «يهبش» و»ينهب» ما يستطيع على نهبه، أمّا الجمعيّات والمؤسسات فتقف مكتوفة اليدين جلّ ما تستطيع تقديمه بضع مئات من الحصص الغذائيّة التي لا تسمن ولا تغني من جوع!! ونموذج السائق الذي قام بإحراق سيارته وهي مورد رزقة عند المدينة الرياضية بعد أن سطّرت قوى الأمن بحقه محضر ضبط قيمته ثلاثة ملايين ليرة، من أين سيأتي هذا «المعتّر» بثلاثة ملايين ليرة، بل لو كان معه هذا المبلغ هل كان خرج من منزله معرّضاً نفسه للوباء باحثاً عن قوت أطفاله؟ هذه الدولة العمياء المتجرّدة من الرحمة ألم تسأل نفسها عن التناسب بين مبالغ المحاضر وقيمة رواتب اللبنانيين؟!
حتى المؤسسات الدينية التي تقوم بتقديم مساعدات للعائلات «المستورة» وتملك بها أرقاماً وإحصاءات موثّقة لا تتحرّك لتأخذ دورها في هذه الكارثة التي يلوح في أفقها شبح الجوع، بالبداهة مثلاً سارع الأزهر الشريف لإطلاق حملة مساعدة للفقراء فأعلن جواز توزيع أموال الزكاة الآن في مواجهة الأزمة التي تعصف ببلاد العالم وبلاد المسلمين، فأين سماحة مفتي الجمهورية اللبنانيّة من هذه الأزمة وأين صندوق الزكاة ولماذا لا يتحرّك لمساعدة العاطلين في بيوتهم للحفاظ على سلامة المجتمع ومنعاً لانتشار العدوى، لماذا نشعر أننا نخاطب «طرشان» لا يسألون عن أحوال النّاس، كأنّهم يعيشون في كوكب آخر، أليس كلّ مسؤول زمني أو روحي يتجاهل حال النّاس في هذه الأزمة جزء من العصابة المتكاتفة ضدّ الشعب اللبناني أكثر من وباء كورونا؟!
وبمعزل عن كلّ هذه، تتوّج العصابة إنجازاتها بالتلكّؤ في مواجهة الوباء إذ تزداد أعداد الإصابات كلّ يوم بشكلٍ مخيف، وحتى السّاعة هناك من لا يريد أن يعلن حالة الطوارىء وكلّ له أسبابه المعلنة وغير المعلنة،وهذا التلكّؤ سيتسبّب بوصولنا إلى وضع لا تحمد عقباه وأمامنا إيطاليا وإسبانيا وفرنسا نموذجاً مخيفاً لما سيحدث في حال تفشّي الوباء، ومن له أذنان سامعتان فليسمع، لأننا إن بلغنا هذه المرحلة سنندم كثيراً عندما لا ينفع النّدم!!