IMLebanon

إستعجال ورقة الإلتزامات.. وردّ الصفعة لـ«القوات»

 

 

المشاورات التي يبدأها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اليوم تبدو ضرورية من زوايا ثلاث:

  • الأولى، لملء الوقت بحركة مشاورات واسعة وخلق دينامية تسمح بربط مرحلة خروج الرئيس سعد الحريري من السعودية وتجميد استقالته بالمرحلة اللاحقة، والتي ستشهد العودة للعمل الحكومي الطبيعي، ولو وفق تفاهم سياسي جديد داخلياً وإقليمياً.

    • الثانية، الاستماع إلى الآراء التي سيُدلي بها رؤساء الكتل النيابية والشخصيات السياسية حول النقاط الأربع التي كانت قد وردت في بيان استقالة الحريري والخروج بموقف جامع منها، أي توزيع المسؤولية حول الخطوط السياسية الجديدة للمرحلة المقبلة على الجميع.

    • الثالثة، تتعلّق بكسب الوقت وإعطاء الحركة الديبلوماسية الخارجية حول لبنان الوقت الكافي، وخصوصاً التي تقودها فرنسا، فيما سُجّل دخول تركيا على الخطّ للمساهمة في تدوير بعض الزوايا.

    لكن خلف هذه المشاورات كلام من نوع آخر في الكواليس السياسية، كلام يتعلّق بطريقة التعاطي مع الحكومة والانتخابات النيابية في ظل الاصطفافات السياسية الجديدة التي تمخّضت عن «محنة» الحريري، وهل من الأفضل إعادة إنعاش الحكومة الحالية ومدّها بالمقوّيات المطلوبة وإنجاز كثير من القرارات التي كانت عالقة وتبدو أساسية وصولاً الى انتخابات نيابية في موعدها؟

    أم الأفضل ترك الوضع الحكومي على ما هو عليه، أي وفق آلية تصريف الأعمال والاستفادة من الزخم الشعبي والتأييد الواسع الحاصل وتقديم موعد الانتخابات لتصبحَ في آذار بدلاً من أيار، وفي ذلك الوضع إرضاء السعودية ولو شكلاً؟ أم الذهاب الى حكومة جديدة تكون بمثابة حكومة انتخابات رشيقة ومصغّرة، ولكنّ مشكلتَها تبقى في طريقة تمثيل «حزب الله» فيها؟

    والنقاط الصعبة التي تدور حولها هذه الاحتمالات الثلاثة، تتلخّص في عدم قطع كل الخطوط مع السعودية والاحتفاظ بعلاقة مستقرّة وجيدة مع «حزب الله»، وأيضاً ردّ «الصفعة» لـ«القوات اللبنانية»، وهو ما بات يشكّل نقطة تقاطع متينة بين تيار «المستقبل» و«التيار الوطني الحر».

    وفيما نُقل عن رئيس مجلس النواب نبيه برّي أنّ 80 في المئة من ورقة التزامات «حزب الله» حول دوره في أزمات المنطقة قد أُنجز، إضافة إلى التفاهم على تعديلات ستطاول البيان الوزاري، وأنَّ البقية على الطريق، بدا أنّ قيادة «حزب الله» اتّخذت قراراً واضحاً يقضي بتسهيل مهمة الحريري لا بل ومساعدته وإزالة العوائق السياسية من أمامه بعد كل ما حصل.

    من هنا جاء كلام الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله عن انسحاب مجموعات الحزب من العراق بعد انتهاء الحرب، وقرب حصول ذلك في سوريا، وإعلانه أن لا وجودَ لـ«حزب الله» في اليمن.

    ووفق المطّلعين، فإنّ هذه الورقة ستكون أكثرَ من كافية للإجابة على نقاط بيان الاستقالة والهواجس التي أثارتها السعودية. لا بل أكثر أنّ الكواليس السياسية تتحدّث عن تعاون، وربما تحالف انتخابي، في بعض الدوائر بين الثنائي الشيعي وتيار «المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، كل ذلك حسب رغبة الحريري وحساباته.

    وتذهب المصادر المطّلعة الى أبعد من ذلك في إيجابيات الحزب تجاه «المستقبل»، حيث تقول إنّ «حزب الله» يفضّل تقريبَ موعد الانتخابات النيابية لألف سبب وسبب، ولكنّ القرار في ذلك يعود للحريري، فإذا ارتأى تقريب الموعد فإنّ «الحزب» جاهز، وإذا أراد انتخابات في مواعيدها المقرّرة فإنّ «الحزب» سيوافق.

    هذه المرونة الفائقة من «حزب الله» تجاه «المستقبل» لا تتعلّق فقط بالثمن الذي دفعه الحريري مع السعودية لقاء تمسّكه بسياسته المرنة والمعتدلة من خلال الحكومة، ولكن أيضاً لسعي الحزب إلى تجاوز ما أمكن ملفّ النزاع السنّي – الشيعي، وبالتالي هضم كل النقاط الإقليمية التي ربحها طالما أنّ المرحلة هي مرحلة تثبيت التوازنات العسكرية وترجمتها معادلات سياسية.

    في المقابل، لا يبدو حزبُ «القوات اللبنانية» مقتنعاً بأنّ المعركة السياسية في لبنان انتهت. فهنالك الموقفُ السعودي النهائي والذي ذكّر به وليُّ العهد الامير محمد بن سلمان من خلال حديثه الى توماس فريدمان في «النيويورك تايمز»، وبالتالي هنالك السؤال حول ما ستؤول اليه العلاقةُ النهائية بين السعودية والحريري، وما إذا كانت ستذهب الى أدنى درجاتها أو القطيعة ربما. وعندها كيف ستصبح صورةُ التمثيل السياسي للطائفة السنّية في ظلّ موقفٍ سعوديٍّ جديد.

    صحيحٌ أنّ «القوات اللبنانية» لن تعمَد الى إعلان استقالة وزرائها من الحكومة، لكنها تبدو متمسِّكةً بإنتخابات في موعدها، وربما بتحالفاتٍ انتخابية جديدة، رغم أنّ زيارة الدكتور سمير جعجع لـ«بيت الوسط» التي قد لا تتأخّر كثيراً تبدو نتائجُها معروفة سلفاً.

    كلّ هذا الغموض على مستوى الحركة الداخلية ينتظر الترتيبات الإقليمية، والتي تتولّاها باريس بمساعدة أنقرة المستجِدّة.

    وخلال وجود الحريري في باريس بعد مغادرته الرياض، أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتّصالاً طويلاً برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو استمرَّ لأكثر من نصف ساعة أطلعه خلاله على الرؤية الفرنسية لحلول لبنانية. ومن الطبيعي أن تكون هذه المحادثة التي بقيت خارج الإعلان الرسمي قد تطرّقت الى ملفَي إيران و»حزب الله»، والترتيب الجديد الجاري في المنطقة انطلاقاً من الملفّ السوري.

    وأتبع الرئيس الفرنسي اتّصاله هذا بإعلان تمنّي بلاده أن تتّبع إيران استراتيجيّةً أقلَّ هجومية في المنطقة، وأن تتمكّن من توضيح سياستها الصاروخية البالستية والتي لا تخضع لضوابط.

    وجاء الردّ الإيراني على لسان علي أكبر ولايتي بأنّ ردّ إيران سيكون سلبياً على طلب فرنسا التفاوض حول مسألة السياسة الصاروخية.

    هذا الحوار العالي السقف عبر الإعلام لا يعني أنّ الطريق مقفلة، بل يعني التمهيد لحوار بدأ في الكواليس ويستلزم الدخول اليه بسقف مرتفع.
    فرنسا المسلّحة بتأييدٍ أميركي لدورها المحدَّد بعناوين واضحة ومعدودة، تُريد إنجازَ تسوية للبنان وترتيب شيء ما في اليمن.

    وقيل إنّ الحريري الذي يحظى بعلاقات قويّة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طلب المساعدة التركية لتسهيل المهمّة الفرنسية، في وقت تبدو العلاقات الإيرانية – التركية أكثر من ممتازة، كما الحاجة السعودية لتركيا في سوريا ولحلّ ما في اليمن.

    لكنّ المبادرة الفرنسية لا تبدو سهلةً كما يُخيّل للبعض، إذ إنّ للدّول الغربية مصالح ضخمة اقتصادية وسياسية في السعودية. فخلال الشهر الماضي وقّعت السعودية عقداً لشراء شبكة دفاع صاروخي من الولايات المتحدة الأميركية بقيمة 17 مليار دولار، وبعدها عقوداً لشراء ذخائر دقيقة التوجيه من شركات دفاعية أميركية بقيمة 7 مليارات دولار.

    كلّ ذلك فيما الرئيس الأميركي دونالد ترامب يرزح تحت الثقل المتزايد لأزمته الداخلية، وهو يكاد يخسر كل أوراقه باستثناء الورقة الاقتصادية والتحسّن الكبير لاقتصاد بلاده.

    ولا تقف حاجةُ ترامب للسعودية هنا فقط، بل على مستوى «الإنجاز» السياسي حول تسوية إسرائيلية – فلسطينية نهائية قريباً، ونقلت القناة العاشرة الإسرائيلية أنّ السعودية التي استدعت الرئيس الفلسطيني محمود عباس على عجل منذ أسبوعين «خيّرته بين القبول بخطة ترامب للسلام أو الاستقالة من منصبه وطلبت منه أيضاً الابتعاد عن التأثير الإيراني».

    في المقابل، فإنَّ واشنطن تُعاني في سوريا والعراق من إحراج روسيا لها بُغية دفعها الى خارج المنطقة. ففيما تعلن موسكو خطّةً لسحب معظم قواتها من سوريا، بدت واشنطن محرَجة لإعلانها زيادة عديد قواتها من 500 جندي الى ألفين، وهو العدد الأدنى القادر على تأمين دورها لاحقاً.

    كما أنّ الاهمّ في اتّفاق سوتشي الثلاثي هو عدم السماح بأيّ تدخّل لأيّ قوة أجنبيّة في سوريا من دون موافقة السلطة السورية. والمقصود بذلك الدور الأميركي الذي يسعى إلى احتواء النفوذ الإيراني في سوريا.

    كذلك تسعى واشنطن إلى احتضان المجموعات السنّية المحلّية في سوريا للتوازن مع النفوذ الإيراني ومع اقتراب الرئيس بشار الأسد كثيراً من موسكو، وبطبيعة الحال من طهران. مع الإشارة الى أنّ ظهور الجنرال الإيراني قاسم سليماني في البوكمال وفي دير الزور يعكس الأهمّية الإيرانية القصوى للطريق البرّي مع سوريا وللمناطق الغنيّة بالنفط.

    كلّ تلك الصورة المعقّدة، لا بد أن تقاربَها باريس في مهمّتها لإنجاز تسوية في لبنان، ويراهن الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون على نجاحها، فيما يُعوِّل معارضو الحريري الجدد على فشلها، والحقيقة الوحيدة أنّ فرنسا ستكون بحاجةٍ لشيء من الوقت قبل أن تصلَ الى نتيجة، وهو ما ستتكفّل المشاورات الداخلية في لبنان بتأمينه في مواكبة علنيّة لمفاوضات الكواليس السرّية.