ثلاثة أيام يمضيها حسين أمير عبد اللهيان في ديارنا. لا هو مقتنع بما يروِّجه عن استعداد بلاده لمساعدة لبنان بالوقود ومعامل الكهرباء، ولا نحن نصدِّق تلك الأسطوانة المشروخة الهادفة الى تزويد حلفائه في لبنان بذرائع للاستمرار في بيع جمهورهم الأوهام.
ليَسمح لنا وزير خارجية ايران. فلا نحن سُذَّج لنقبض وعوداً تدخل في لعبة الاستعراض والإحراج وتعقيدات العقوبات، ولا بلاده قادرة على تقديم “أعطيات” في وقت صار 60 بالمئة من الايرانيين تحت خط الفقر وفيما الوقائع تتحدث عن ضيق “ذات الكاش” المنعكس تدهوراً مريعاً في صنعاء ودمشق، وتقتيراً على “المنظمات الجهادية” في فلسطين وسائر الأذرع هنا وهناك.
أبرز ما نطق به ضيف الزيارة التي لم تكن في الحسبان، ليس الكلام الدبلوماسي المعسول والتمنيات بانتخاب رئيس وهو كذب صريح بالتمام والكمال، بل وصفُه لبنان بـ”البلد الشقيق”، فيما تقتضي الأصول ان يدعونا “أصدقاء” كوننا لا نتشارك مع بلاده إلا حزباً مسلحاً قد تتغير وظيفته إذا تغيرت المعادلات الاقليمية أو سقط نظام الملالي يوماً ما.
على أي حال “رُبَّ أخ لك لم تلِده أمك”، لكن للأخوة متطلبات. أهمها “كلام الحق الذي يراد به باطل” والذي نطق به عبد اللهيان بعد استفتاحه بوزير خارجيتنا، إذ رفض أي تدخل خارجي في شؤون لبنان! على أساس أن شقيقتنا ايران من أهل البيت وأن حضورها الآسر في بلاد الأرز مقتصر على تلحين “رباعيات الخيام” وبيع التنباك العجمي والزعفران.
لا شيء متروكاً للصدفة لدى طهران. وَصفَت قبل أيام العراقَ أيضاً بأنه “شقيق”. وبدل أن تعتبره “الجار العزيز” نَهرَته علانية منكرةً عليه استخدام تعبير “الخليج العربي”، فيما تسمية “الخليج الفارسي” موضع خلاف تاريخي يمكن لكل طرف المحاججة فيه، مع أن قاطني شواطئه كلها عرب أقحاح.
واضح أن عبد اللهيان في جولة روتينية على إحدى العواصم الأربع التي قالت طهران قبل سنوات إنها زينة “محور الممانعة”. ولا ندري هل وجد بيروت “تتألق وتتقدم” مثل انطباع الشيخ نعيم قاسم عن وضع إيران، أم انه عاينَ الفقر والحرمان ولمَس الانهيار؟ أم تراه اعتبرنا في نعيم قياساً على سوريا المفككة واليمن الخَرِب والعراق العائم على الثروات والغارق في العجز؟ حبَّذا لو يخبرنا عن المعيار.
نفهم أن عبد اللهيان لم يأت لتفقد حلفائه فحسب، بل ليقول للقوى السياسية اللبنانية والاقليمية والدولية التي تحاول تسهيل انتخاب رئيس “نحن هنا” وأي تسوية ممرُّها الإلزامي التفاهم مع ايران على ورقة استثمرت فيها منذ سنين ولن تفرط بأي أقصوصة منها بلا ثمن فوق الطاولة أو تحتها. وهو أمر واقع ما كان بحاجة الى زيارة مفاجئة وتشويق تحبطه تصريحات خشبية وتنظيرات يمكن أن تطلقها آلة تسجيل.
لو كان لدينا سلطة حقيقية ووزير خارجية شجاع لوجب أن يسأل نظيره الايراني هذه الأيام عن انتهاكات حقوق الانسان وخصوصاً النساء في ايران وعن الإعدامات بحق المطالبين بالحرية الكافرين بالاستبداد، ثم يُشيِّع رأسُ دبلوماسيتنا الضيف الكريم بسؤال شديد الاختصار: “متى تُفرج جمهوريتكم عن رهينة معذَّبة اسمها لبنان؟”.