في المُعلن، أعاد وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان خلال زيارته الأخيرة بيروت، تقديم المغريات للبنان عبر عروض المساعدة خصوصاً في الطاقة. وفي باطن الزيارة، رسائل عدّة، استهلّها رئيس الديبلوماسية الإيرانية، بالإشارة من مطار بيروت إلى «أنّنا حضرنا مرة أخرى لنعلن دعمنا القوي للشعب والجيش والمقاومة»، في رسالة علنية بأنّ سلاح «حزب الله» ليس موضع بحث بعد الاتفاق الإيراني – السعودي في بكين والترتيبات التي قد تشهدها المنطقة في هذه المرحلة.
ومن أهداف الزيارة، شكلاً عبر اللقاءات التي عقدها رئيس الديبلوماسية الإيرانية، ومضموناً من خلال مواقفه، تأكيد النفوذ الإيراني في البلد، وفق ما ترى مصادر سياسية، بالتوازي مع دعم «حزب الله» رئاسياً، إن لجهة تأكيد عدم التدخل في الشؤون اللبنانية وفي الملف الرئاسي وأنّ هذا الموضوع داخلي، وإن لجهة إظهار أنّ «الدولة الحليفة» لـ»الحزب» مستعدّة لمساعدة الدولة اللبنانية.
زيارة عبد اللهيان أتت بعد سلسلة «استعراض» لقوة «الحزب» أمام الداخل والخارج، في رسالة بأنّ ظهر «الحزب» محميّ. وتأتي خطوة الدعم الإيرانية هذه، بعد استخدام «الحزب» سلاحه النيابي بتعطيل جلسات انتخاب رئيس الجمهورية عبر تطيير النصاب وعدم دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى عقد هذه الجلسات. كذلك سياسياً، يتمسّك «الحزب» بترشيح رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية، ورفض كلّ المبادرات التي لا تحمل اسم فرنجية رئيساً، سواء أتت من بكركي أم الدوحة أم ميرنا الشالوحي أم كليمنصو. وتمكّن من خلال السلاح السياسي – التجاري – الديبلوماسي من إجراء «Deal» مع الفرنسيين أنتج المقايضة التي طرحتها باريس بين فرنجية رئيساً والديبلوماسي نواف سلام رئيساً للحكومة.
وتدرّج الخطاب الإعلامي لـ»الحزب» تصاعدياً، فبلغ ذروته أخيراً على لسان نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الذي «غرّد» مؤكّداً أنّ «البلد أمام مرشحين: أحدهما جِدِّي والآخر هو الفراغ»، وعبر موقف لرئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» السيد هاشم صفي الدين، هدّد فيه بأنّ «بعض اللبنانيين إذا لم يُسارع إلى ما يُعرض عليه الآن، فسيأتي الوقت وهو غير قادر على أن يحصل حتى على هذا العرض».
تصعيد «حزب الله» يأتي بعد عدم فتح أي ثغرة في الجدار الحائل دون وصول مرشحه إلى القصر الجمهوري، لا سيما الداخلي المسيحي. ورغم ذلك، لا يزال «الثنائي الشيعي» وخصوصاً «حزب الله» متمسّكاً بمعادلته الرئاسية: «فرنجية أو الفراغ». وتقول مصادر قريبة من «الثنائي» رداً على سؤالها عمّا إذا كانت «عيدية» ما بعد عيد الفطر التراجع ورئيساً للبنان غير فرنجية: «الأرجح أن يكون فرنجية رئيساً في العيد المقبل».
ولا يزال «الحزب» يراهن على تغيُّر في الموقفين الداخلي والخارجي من انتخاب فرنجية، انطلاقاً من «الرهان على الحكمة ومصلحة البلد». وإذ يؤدي العامل الشخصي دوراً في تعامل «الحزب» مع الاستحقاق الرئاسي، بحيث إنّ تمسُّكه بفرنجية منطلق من «أننا أوفياء ولا ننكث بالوعود»، يعتبر «الحزب» أنّ فرنجية «شخص تهمّه مصلحة البلد ولديه كلّ الكفاءات اللازمة لقيادة لبنان إلى برّ الأمان». ويستثمر «الحزب» في «الوقت»، معوّلاً على إشارات إيجابية، قد تأتي من السعودية وتنعكس لبنانياً، وقد تتظهّر في الأيام المقبلة. ويؤكد أنّه في المدى المنظور لديه خطة واحدة فقط رئاسياً ولن يحيد عنها.
إنطلاقاً من تمسُّكه بفرنجية أو لا أحد، يعتبر البعض أنّ سلسلة استعراض القوة سيستكملها «حزب الله» وسيستخدم كلّ الأسلحة المتوافرة لفرض مرشحه الرئاسي. لذلك يتخوّف هذا البعض من «7 أيار» جديد، خصوصاً بعد مواقف أخيرة لقيادات في «الحزب».
مصادر قريبة من «الثنائي الشيعي» تؤكد «أنّنا لا نحتاج إلى 7 أيار». أمّا فريق المعارضة، فلا يتخوّف من 7 أيار جديد. وتقول مصادر معارضة سيادية: «موقفنا الرافض وصول مرشح ممانع لن يتبدّل حتى قيامة الساعة». وستواجه المعارضة فريق الممانعة رئاسياً، بمعادلة ثلاثية: «لا تغيير ولا تبديل ولا تراجع»، مهما لجأ «الحزب» إلى خطوات، سواء أكانت عسكرية أم أمنية أم سياسية. وتقول هذه المصادر: «موقفنا واضح وثابت وغير قابل للتأويل أو المراجعة. مرشح ممانع في رئاسة الجمهورية خط أحمر، وبالتالي لسنا معنيين بكلّ رسائل التهديد».
الأجواء الإيجابية التي يبثّها الفريق المؤيّد لفرنجية عبر وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة، لجهة حظوظه الرئاسية وإمكانية الخرق سعودياً، ليست بجديدة بالنسبة إلى المعارضة، فهذه الأجواء نفسها التي تُبثّ منذ أشهر، فيما عملياً لا تغيير في موازين القوى الداخلية والخارجية التي لا تسمح بإيصال فرنجية. ولا تبدّل بالمعطيات لا مع باسيل ولا مع المعارضة، بل إنّ المعارضة متّجهة إلى مزيد من التشدّد في موقفها السياسي والوطني. في المقابل أيضاً، لا يوجد أي تغيير في ميزان القوى الخارجية، بحسب المصادر نفسها، فمثلما يقول الإيراني إنّه لا يتدخّل مع «الحزب»، السعودية اكتفت بإبلاغ فرنسا بأنّ «ما يمكنك فعله افعليه».
لذلك تعتبر المعارضة أنّ «الثنائي الشيعي» يخشى من عدم قدرة الفرنسي على تجاوز الحائط المسدود الذي اصطدمت به مبادرته، ما سيدفعه إلى التراجع عنها. وبالتالي يحاول أن يسابق الوقت قبل أن يتراجع الفرنسي عن مبادرته، لكي يتمكّن من إحداث خرق. لكن هذا الخرق لن يتحقّق لا من خلال السعودية ولا من خلال لبنان، بحسب المعارضة.