يبدو أنّ زيارات وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان الى بيروت أصبحت شبه روتينية، وهي تعبّر عن اهتمام نظام ولاية الفقيه بـ»الحزب» الذي كلف إيران منذ تأسيسه عام 1983 أكثر من 70 مليار دولار مقسّمة على الشكل التالي: مليار دولار رواتب سنوياً، وملياراً ثانياً للسلاح..
عند بدء عملية «طوفان الأقصى» رأت دولة ولاية الفقيه التي تنادي بأهمية تحرير القدس، انها لا تستطيع أن تبقي الحزب متفرّجاً، بل العكس فإنّ من يريد أن يحرّر القدس، عليه أن يغتنم الفرصة كي ينفذ ما ينادي به.. وهكذا رأينا ان مشاركة الحزب «الخجولة» في الحرب ضد العدو الاسرائيلي كانت مدروسة و»مُدَوْزَنة» ضمن بداية الاطار المتفق عليه بين الحزب وبين إسرائيل، ولكنه اتفاق غير معلن.
يبدو ان قائد المقاومة شعر انه بحاجة لدعم موقف الحزب، فما كان منه إلا أن أعلن انه لن يترك إسرائيل تستفرد بأبطال «طوفان الأقصى»، وبرّر ذلك بأنّ مشاركة الحزب حققت هدفين: الأول ان هناك 300 ألف جندي إسرائيلي سحبتهم إسرائيل من غزّة لتعزّز بهم الجبهة الشمالية… والثاني ان هناك 200 مواطن إسرائيلي هربوا من شمال إسرائيل الى الداخل خوفاً من الحرب، وهناك هدف ثالث لم يعلن عنه السيّد حسن هو ان هناك حوالى المليون ونصف المليون من الاغنياء اليهود الذي جاؤوا الى فلسطين كانوا يظنون ان أرض الميعاد ستكون الجنة… ليتبيّـن لهم انها جهنم، ومن المعروف ان اليهودي غير مستعد أن يعيش في ظل جو من عدم الاستقرار، لا بل ان هناك حروباً ووضعاً أمنياً غير مستقر..
بالعودة الى اليمن، وتدخل اليمن في إقفال الممر المائي العالمي الذي هو «باب المندب» حيث تعبر السفن. فإنّ هذا المعبر يعتبر بالنسبة للتجارة العالمية شرياناً رئيسياً. لذا هددت أميركا ومعها بريطانيا بأنهما لن تسمحا لليمنيين بالتعرّض للسفن المبحرة، ومن أجل ذلك أرسلت جيوشها وأساطيلها لتكون على استعداد لخوض حرب ضد الحوثيين. على كل حال، الجمهورية الاسلامية في إيران حققت هدفين في اليمن:
الأول: رفع أسعار النقل عالمياً…
والثاني: نقص المواد النفطية، مما أدى الى ارتفاع أسعارها، وهذه النقطة مهمة جداً بالنسبة لإيران، خصوصاً انها تعاني بسبب دفع الأموال الكبيرة لدعم «الحزب» بالاضافة الى ان ميزانية إيران في عجز دائم، خصوصاً ان أميركا وعدت بتحويل 5 مليارات دولار الى قطر لدفعها الى إيران… وبالفعل تمّ التحويل، لكن أميركا قرّرت في آخر لحظة الطلب من قطر أن لا تدفع أي دولار لإيران.
أما ما يجري على الجبهة السورية، فيبدو ان إيران تهرب من مواجهة أميركا، لذلك فإنها بدأت تخفّف من تواجدها مع عمليات انسحاب من أماكن معروفة.
تبقى الجبهة العراقية التي هي جبهة الفوضى، ولا أحد يستطيع أن يأخذ القرار المناسب هناك أو يملك صلاحية اتخاذ مثل هذا القرار… لذلك فإنّ بقاء أو ترك القوات الاميركية في أماكن تواجدها في العراق أصبحت عديمة الفائدة لأميركا، لذا فإنها تفكر بالانسحاب، وترك النار مشتعلة هناك، خصوصاً بين الأكراد وبين فصائل الشيعة والحشد الشعبي.
الآن الهم الأكبر عند إيران يتمحور في أن تبقى جبهة لبنان ممسوكة، لأنها تعتبر ان الحزب هو من أهم إنجازاتها وهي خائفة من أن تخسره.
على كل حال، لا أحد يستطيع أن يتصوّر ماذا يمكن أن يحدث، خصوصاً ان رئيس وزراء العدو، والذي ينتظره السجن عند أول فرصة، لوقف إطلاق النار أو تبادل للأسرى. وهذا ما يحاول أن يبقي الأمور على حالها.. أي يريد أن تبقى الجبهات مشتعلة. ولكن يبقى هناك سؤال واحد: الى متى ستسمح أميركا باستمرار الوضع الخطير على هذا الحال؟ الجواب عند أميركا بالطبع.