استوقفني مطوّلاً مقال الإعلامي ورجل الأعمال حسين شبكشي بالأمس في جريدة الشرق الأوسط، إذ جاء في توقيت كان فيه جلالة الملك سلمان يستقبل رؤساء الحكومات السابقين اللبنانيين في لفتة توجّه رسالة قويّة لكلّ الظانّين أن المملكة خرجت من لبنان إلى الأبد وأنّ إيران على وشك الاستيلاء عليه، من المؤسف أن مقال حسين شبكشي يبعث برسالة مقلقة ومخيفة جدّاً تضمنّت تهديداً للبنانيين مسيحيين ومسلمين وكأنها تناقض المشهد في المملكة بالأمس، وهذا أمر مستهجن في نواياه وتوقيته!!
من الواضح أنّ «رجال الأعمال» لا يفهمون في الإعلام والصحافة وإن ادّعوا ذلك واعتدوا على المهنة، ومن الواضح أن حسين شبكشي «لا يفهم كوعه من بوعه» لا في لبنان وتاريخه ولا في واقعه السياسي اليوم أيضاً، لم نفهم ما مناسبة تصدير نفسه لبثّ سموم تخويف مسيحيي لبنان بـ»بعبع» الديموغرافيا، فتحدّث عن «المؤشرات المستجدة، التضييق والتهجير غير المباشر للمسيحيين من لبنان لأسباب مختلفة، مما يمهِّد لنهاية الوجود المسيحي في لبنان سياسياً، وقد يكون فعلياً كما توقع الكاتب الكندي اللبناني كمال ديب في كتابه المهم «وهذا الجسر العتيق» الذي توقع خلوّ لبنان من مسيحييه في عام 2020»!! «مستر شبكشي» بالتأكيد أنت لا تعرف المسيحيين اللبنانيّين، لقد واجهوا في حرب السنتين 1975 ـ 1976 مخطط كيسنجر ومؤامرة كونيّة لاقتلاعهم من لبنان وتحويله إلى وطن بديل للفلسطينيين، أمّا بالنسبة لموضوع الهجرة فهذا أمر لبناني معتاد ومنذ قرون لبنان بلد صغير لا يتسع لأكثر من 4 ملايين لبناني لذا ستظلّ الهجرة امراً واقعاً يمتد ويتمدّد فيها لبنان عبر أرجاء العالم.
أنت محقّ مستر شبكشي أنّ «لبنان خُطف»، لو كلّفت نفسك عناء متابعة بعض الكتاب اللبنانيين وصرخاتهم اليومية في وجه المشروع الإيراني والتنبيه والتحذير من أجندة حزب الله الإيرانيّة، بل لو كلّفت نفسك عناء البحث قليلاً في هذا الملف لوجدت أن كثيراً من الصحافيين والكتاب اللبنانيين حذّروا المملكة العربية السعوديّة من المخطط الحوثي لليمن منذ العام 2009 لكنّ أحداً لم يكترث لتحذيراتهم، لو اطّلعت قليلاً لوفّرت على نفسك عناء كتابة هذا المقال الهزيل وفي توقيت قاتل!!
أسوأ ما قرأناه عند الشبكشي هو ختام مقاله وتهديده بأنّ «فتنة الجبل الأخيرة لم تكن سوى مقدمة لما هو آت، والآتي مذهل»، لو كان الشبكشي يعرف لبنان لأدرك أنّ ما حصل في قبر شمون حادثة كبيرة ومؤسفة، وأنّ تبريد الأجواء مستمر، وأنّ هذا النوع من الحوادث يقع دائماً في لبنان، وأنّ هذه الحوادث تجد مهما تعقّدت حلولاً سياسية تمرر العاصفة، لكن ما لا نفهمه هو هذا «الحقد» الذي يهددنا به «الشبكشي» بأنّ «الآتي مذهل»، كأنّه يعد الساعات لتنفجر في بلدنا حربٌ أهلية؟!
من المعيب أن يكون غرض رجل أعمال عربي من كتابة مقال غايتيْن تخويف مسيحيي لبنان من تهجيرهم قسراً من لبنان وتهديدهم بالديموغرافيا التي تغيّرت كثيراً وعدم وجود إحصاء سكاني في لبنان، والثانية أن يكيل المديح للرئيس السابق للمجلس النيابي السيد حسين الحسيني، وهو من خيرة رجالات لبنان، ليقول «لقد كان أحد الرجال المحترمين، ولذلك كان لزاماً الإتيان بغيره، أو كما قال لي أحد الديبلوماسيين اللبنانيين في تشخيص الحالة: «انتهى عصر الأوادم»!! عيب يا «شبكشي».. الرئيس نبيه بري مهما اختلفت معه قيادات لبنانية تجمع كلّها على أنّه صمّام أمان للبنان، وللمناسبة ثمة توافق عربي ودولي على دور الرئيس نبيه بري وأهميّته في الحياة السياسية اللبنانيّة.
في هذا الزمن الهزيل، وبدلاً من أن يجري رجل الأعمال حسين شبكشي لحظة الدعم السعودي للبنان وفي هذه المرحلة الدقيقة جداً، قرّر أن يشنّ هجوماً على لبنان غير مبرّر وغير مفهوم و»بلا طعمة» أيضاً!