IMLebanon

الحسيني: الثلثان واجبان لتفـسير الدستور

يختلف الموقف من تفسير الدستور تحت وطأة وجهتي نظر متعارضتين. إحداهما تقول بأنه يكتفي بالنصاب العادي، وأخرى بحاجته إلى نصاب الثلثين ما يجعل انعقاد الجلسة مستبعداً لتعذر توفيره في موضوع مثار تباين وانقسام

منذ وجّه الرئيس ميشال عون، في 17 تشرين الثاني، رسالة الى رئيس مجلس النواب نبيه بري، يدعوه لتوجيه دعوة الى المجلس لتفسير المادة 24 من الدستور، لم يطرأ تطور ملموس على هذا المطلب. لا يزال بري يستكمل استمزاج آراء الكتل النيابية في الدعوة تلك، إنطلاقا من تأكيده أن تفسير الدستور يتطلب ثلثي البرلمان كي يتخذ القرار به، ملاحظاً أن التفسير يماثل التعديل الذي يتطلب الغالبية الموصوفة نفسها. وفي اعتقاده أن من المتعذر التوصل الى تفسير مادة دستورية في معزل عن اوسع توافق سياسي عليه، أو في أحسن الأحوال ضمان إكتمال نصاب الجلسة والتصويت على التفسير.

بدوره عون لا يستفيض في تأكيد المطلب، ولا كذلك نواب تكتل التغيير والاصلاح. ويقول المطلعون عن كثب على موقفه إن الغرض منه توجيه رسالة الى الأفرقاء جميعاً، وإن «الرسالة وصلت فعلا»، ومفادها ـــ سواء التأم مجلس النواب لتفسير المادة 24 أم لا ـــ أن من غير الممكن التعامل مع هذه المادة التي ترعى المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في عضوية مجلس النواب، على نحو ما ساد منذ تعديل الدستور عام 1990. ووفق المطلعين إياهم، يحبّذ عون عقد جلسة التفسير كي يصغي الى مواقف الأفرقاء الآخرين من مطلبه، والذهاب من ثمّ الى تفسير المادة 24، وهو يصر على تطبيق المناصفة التي يتمسك بها المسيحيون.

يصطدم إنعقاد جلسة التفسير، الأولى في ظل اتفاق الطائف وتعديلاته الدستورية، بمواقف متناقضة بين مؤيد كعون، ومعارض يقرن أي تفسير للمادة 24 بتفسير سواها مما يرتبط بها على نحو مباشر. بيد أن هذا الفريق ـــ ويتمثل في تيار المستقبل ـــ يفضل الابتعاد عن هذه المغامرة لئلا يؤول تفسير مادة الى تدحرج مواد أخرى. لكن انعقاد الجلسة ينطلق أولاً من توفير نصاب الثلثين للإجتماع ومن ثمّ إقرار أي تفسير، على غرار نصاب انتخاب رئيس الجمهورية وتعديل الدستور.

يعزّز الحاجة الى هذا النصاب في جلسة التفسير الرئيس حسين الحسيني بالقول: «نصاب الثلثين حتمي لأن أي تفسير ينطوي على تعديل، وإلا ما هو مبرر التفسير؟».

يستعيد الحسيني صلاحية تفسير الدستور التي ادرجت في اتفاق الطائف، وعُهد بها الى المجلس الدستوري المنوط به مراقبة دستورية القوانين عندما يُنشأ، قبل ان يستدرك مجلس النواب هذا الخطأ، ويصوّبه في جلسة التعديلات الدستورية في 21 آب 1990.

يضيف: «ليس صحيحاً ما يقال إن صلاحية التفسير سُلخت من المجلس الدستوري. آنذاك لم تكن قد تبلورت تماماً مهمة المجلس الدستوري، ولم يرد عنه في اتفاق الطائف سوى أن يصير الى إنشائه للنظر في دستورية القوانين. الا أن أراء دستورية عدة، من بينها الدكتور إدمون رباط حينذاك تحفظت، بعد عودتنا من الطائف، عن هذا النص واعتبرت أن من غير الواقعي أن يصبح المجلس الدستوري أكبر من مجلس النواب، خصوصا أن اجتهادات رباط وسواه اكدت أن أي تفسير ينطوي على تعديل. وهو اجتهاد مستقر. بناء على ذلك، وبعد تشاور طويل استغرق أشهراً، نقلنا الصلاحية الى مجلس النواب كي لا نضعها بين أيدي عشرة أعضاء في المجلس الدستوري، في حين أن مجلس النواب لا يستطيع تفسير الدستور الا بثلثي أعضائه. كان قرارنا صائباً، وتيقنا منه بعد تأليف المجلس الدستوري وتعيين أعضائه مناصفة بين مجلسي الوزراء والنواب، أي السلطة السياسية. ناهيك بأن لا حصانة لأعضائه، وطريقة تعيينهم تتضمن تدخلاً سياسياً في أعماله. وهو ما شهدناه أكثر من مرة في السنوات الماضية، وآخرها قرار المجلس الدستوري رد الطعن في قانون تمديد ولاية مجلس النواب قبل أيام».

يقول الرئيس السابق للمجلس: «عندما تناولنا المجلس الدستوري في اتفاق الطائف لم يكن المقصود أن يعهد الى مجلسي النواب والوزراء في تعيين اعضائه، بل على العكس من ذلك تحدثنا عن السلطة القضائية المستقلة التي ينبثق منها مجمع قضائي، يتولى هو تعيين أعضاء المجلس الدستوري وأعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، فيحوزون على حصانة ليست لهم في الوقت الحاضر. أضف أنه لا يمكن للسلطات السياسية التي تعيّنهم كما هي الحال الآن أن توفر لهم الحصانة، بل السلطة القضائية المستقلة. المجلس الدستوري هو حصن الأقلية التي تتشكى وتطعن في دستورية قانون تكون قد أصدرته الأكثرية. فهل يصح إعطاؤها صلاحية التعيين».

إلا أن الحسيني يلاحظ أن تفسير مادة دستورية لا يحيلها مادة جديدة، بل يصير الى إيضاح أحكامها من ضمن المادة نفسها، ويتوقف عند المطالبة بتعديل المادة 24، المتعلقة بالمناصفة، كي يلاحظ أن «الإجحاف شامل وفي حقّ الجميع. كما يلحق بالمقاعد المسيحية في المناطق الإسلامية، يلحق ايضاً بالمقاعد الإسلامية في المناطق المسيحية. المشكلة واحدة يتساوى فيها الجميع، والإجحاف وطني. ناهيك بأن الكيان اللبناني مبني على الوحدة الوطنية التي تساوي بين الجميع. لذلك لا يمكن حصر الشكوى بفريق واحد».

طبّارة: تفسير الدستور بالثلثين

يرى الوزير السابق الدكتور بهيج طبارة أن تفسير مادة دستورية «يعني إدخال إضافة إلى نصّ المادة لتوضيح المقصود منها. وهو يحتم نصاب ثلثي أعضاء المجلس، تماماً على غرار تعديل الدستور». يضيف: «تفسير الدستور في مجلس النواب ينشىء قاعدة لا يمكن تغييرها إلا بقاعدة أخرى مغايرة لها، وبالطريقة نفسها، أي نصاب الثلثين، من دون أن يُعدّ ذلك اجتهاداً كما هي حال عمل المجلس الدستوري. عندما ينظر المجلس الدستوري في طعن في قانون مخالف للدستور، يعمد أحياناً إلى تفسير مادة دستورية ينشأ منه اجتهاد محصور بالقضية نفسها، ولا يمكن تعميمه على قضية أخرى، كما لا يمكنه الأخذ بالإجتهاد نفسه في قضية مشابهة ما قد يضطره إلى اجتهاد آخر مختلف. لذلك يُعدّ اجتهاداً». يقول طبارة: «المادة 49 من الدستور يختلف أكثر من فريق على الفقرة المتعلقة بنصاب التئام الجلسة الثانية لانتخاب رئيس الجمهورية. فريق يقول إن النصاب هو الثلثان في كل دورات الإقتراع، وفريق يقول إنه نصاب الأكثرية المطلقة للإلتئام في الجلسات التي تلي الجلسة الأولى. لم يُصر بعد الى تفسير هذا الإلتباس في المادة 49. إلا أن المجلس سار بالسوابق والتقاليد، وجعلها قاعدة بحكم أن انتخاب الرئيس منذ عام 1926 حتى آخر انتخابات رئاسية عام 2008 إعتمد نصاب الثلثين في كل حالات الإلتئام. هناك مَن يعترض على هذه القاعدة، لكن المجلس يطبقها».