يعيش اللبنانيون الذكرى الأربعين للحرب كما لو أنهم في “بث مباشر” استعادي ومنقّح لحربهم وحرب الآخرين على أرضهم، مع فارق أن الآخرين هم هذه المرة من أهل البلد. وكما كان الآخرون/ الفلسطينيون يدفنون شهداءهم في بيروت مضطرين، أصبح الآخرون/ اللبنانيون يستوردون الشهداء الرفاق في الكفاح الفارسي لدفنهم هنا أيضاً واستخدام جثمان “الحوثي” محمد عبد الملك الشامي وضريحه في تهييج “جمهور حزب الله” الذي لم يكن ينقصه سوى هذا الذوبان في الهستيريا اليمنية.
وليطمئن الجميع فأجواء 2015 لا تقل “اثارةً” عن أجواء 1975، بل ان السجالات واللغة ازدادت حدة، والمفاهيم انزلقت عميقاً في الإسفاف. ففي السابق اتهم الفلسطينيون بأنهم “أغراب” أقاموا “دولة داخل الدولة” وجعلوا من مخيماتهم “مربعات أمنية” محرمة على الدولة، كما هي “مربّعات حزب الله” اليوم محرّمة على الدولة، بل هي “الدولة” وليست دولة داخلها، لكن قاطنيها ليسوا أغراباً وإن كانوا مستلبين كلياً لـ “الأغراب”. أما جديد الذكرى الـ 40 فهو أن “لبنانيي حزب الله” أصبحوا “الأغراب” في سوريا والعراق واليمن، ولو أمرهم المرشد الايراني لذهبوا الى البحرين وغزّة. ولا يشبههم في هجراتهم القتالية سوى آلاف المهووسين الذاهبين الى القتال مع تنظيم “داعش”. ولا يشبه “امبراطورية” علي خامنئي سوى “دولة الخلافة” لصاحبها “ابو بكر البغدادي”.
رغم ضغوط الاحتراب الأهلي لم يعطّل الآخرون/ الفلسطينيون الاستحقاق الرئاسي عام 1976 بل ساهموا في تأمين وصول النواب ولم يكن لهم مرشح – “هو أو لا أحد” – يفرضونه بقوة السلاح. وكان بإمكان الرئيس أن يبلغ الجامعة العربية والرؤساء العرب، ولو من دون جدوى، عن “تجاوزات” الفلسطينيين. أما “الآخرون”/ اللبنانيون فجمّدوا الانتخابات الرئاسية في 2007 وتوقعوا من الرئيس المنتخب أن يرضى طوعاً بأن لا يكون رئيساً بل دميةً في يد المرشد، وإذ حاول الحياد أنهوا ولايته باكراً بالتسافل عليه ولا يزالون يطاردونه. وها هم يعطلون الاستحقاق الرئاسي منذ نحو سنة، معلّقين الانتخاب على كذبة “الرئيس القوي”. كان الرئيس السابق جاء نتيجة حلٍّ رعته الجامعة العربية، لكنه شعر خلال عهده بأن اللجوء الى أي مرجعية عربية أو دولية مكلف بل يأتي بنتائج عكسية.
وسط هذا التسخين اليمني للذكرى الـ40 يتأكد كم كان “حزب الله” جاداً وواعياً المصلحة الوطنية عندما وافق بلا أي تحفّظ على “اعلان بعبدا”، اذ كان يفعل في العلن وخصوصاً في السر عكس روح ذلك الاعلان ومضمونه. كان يسخر من الجميع وهو الى طاولة الحوار، تماماً كما فعل الحوثيون مع الأطراف اليمنيين الآخرين. ومن يدري أنه لا يفعل الشيء نفسه في الحوارات مع “المستقبل”.