حين سالت الدماء في “هوفلان”
في كل مرة يصرّ فيها ما تبقى من شباب وشابات في هذا البلد، في لبنان، على البقاء فيه وشدّه الى فوق، الى الأعلى، الى الحلم بوطن ديموقراطي حرّ سيّد متكافئ عادل سويّ، يطل من يُمسك بعصا وسكين وآلة حادة ضارباً يميناً ويساراً ما تبقى من محاولات! البارحة، كما أول البارحة، سالت دماء بعض الشباب الجامعي على أرض هوفلان لأن محبي الموت رغبوا في تنشق رائحته وإحياء وهْم الأباطرة وعظمة القوة على كل ما عداهم. بثيابٍ سوداء أتوا، والى “حزب الله” انتموا، ومَن غير هؤلاء (ومعهم توأمهم) يرتدون الأسود القاتم ويُمسكون بالعصي ويتجاوزون القوى الأمنية، غير مبالين لا بأمن ولا بقانون ولا بديموقراطية انتخابية، ولا بإرادة وقرار غير إرادتهم وقرارهم. فماذا حدث البارحة في الجامعة اليسوعية في بيروت، في الأشرفية، وتلا أحداث أول البارحة؟
رئيس مصلحة الطلاب في “القوات اللبنانية” الدكتور طوني بدر سارع للنزول الى الأرض، مع الشباب والشابات، مع القواتيين والقواتيات، بعد أن سمع مع كل الآخرين أن خمسين شخصاً، محملين بالسكاكين والعصي والآلات الحادة، هاجموا سبعة شباب قواتيين، نُقل ثلاثة منهم الى المستشفى وحالة أحدهم خطيرة. هل حصل هذا من “الباب للطاقة”؟ وماذا في أبعاد هجوم هؤلاء؟ يجيب طوني بدر: “غدر هؤلاء بالشباب الجامعي، لإحداث فوضى ومحاولة إلغاء الانتخابات وترهيب الطلاب والطالبات ومنعهم من الإقتراع”. أضاف: “نجح هؤلاء غدراً في ما فعلوا لكننا الآن هنا، في المرصاد، لنقول الى كل من يهمه الأمر، او معني بما حصل، أن لا أحد يرهبنا، وأسلوب “الزعران” لا يمكنه أن يقهرنا. ونكرر مطالبتنا القوى الأمنية بردع هؤلاء الذين تصرفوا كعصابات. نحن نريد إستكمال العملية الانتخابية ديموقراطياً وسنتابعها الى الآخر”.
لا يحدث هذا إلا في لبنان، حيث نسمع طلاباً يقولون: نريد إتمام العملية الإنتخابية. ونرى، في المقابل، من يهاجم الطلاب في عقر الدار تحت أعين القوى الأمنية. فماذا فعلت العناصر الأمنية؟ ألم تفصل بين المهاجمين والطلاب؟ الغريب أن هؤلاء المهاجمين لم يأبهوا بالقوى الأمنية، بدليل أنهم اتوا أول البارحة أقل من عشرة، وعادوا وأتوا البارحة أكثر من خمسين. في كل حال، القوى الأمنية عادت وتدخلت لكن متأخرة وأوقفت ثلاثة من هؤلاء.
ما يتناقله شباب وشابات الجامعة اليسوعية أن “من هاجموا شباب القوات البارحة وأول البارحة هم أنفسهم من كانوا يهاجمون الثوار على الرينغ، وفي ساحات الثورة، مع فارق أن الطلاب لم “يهربوا” بل قرروا أن يواجهوا هاتفين فيهم “نحن من مدرسة علمتنا أن اليد التي تمتد علينا نكسرها”.
بيانات استنكار صدرت من هنا ومن هناك لكن السؤال، لماذا إصرار عناصر “حزب الله” في كل مرة تجرى فيها الانتخابات في الجامعة اليسوعية على إحداث شغب، بلغ هذه المرة حدّ سيلان دماء طلاب أنقياء؟
ما حصل خلال اليومين الماضيين في جامعة بشير الجميل ذكّر كثيرين بما حدث قبل عام وعامين وثلاثة وفي كل مرة تحدث فيها انتخابات في هذه الجامعة التاريخية العريقة، التي تروي كل زاوية من زواياها حكاية مواجهة حاكها الطلاب السياديون في وجه منظومة سوريا أولاً وأتباع سوريا ثم إيران لاحقاً، من خلال المواجهة الحقّة لاعتداءات لها أبعاد تتجاوز بكثير حدود الجامعة.
التعبئة التربوية في “حزب الله” التي تغاضت عما حصل أول البارحة عادت وأصدرت البارحة بياناً ضمنته “أن الانتخابات الطالبية عادة ما يشوبها حساسيات وانفعالات بين الطلاب، تؤدي الى بعض الاشكالات التي يجرى العمل على معالجتها سريعاً (…) وهناك من يحاول، من النافخين في أبواق الفتن، الاستفادة من هذه الحوادث للاصطياد في المياه العكرة”.
“حزب الله” تحدث عن مشاكل بين الطلاب، لكن، من قاموا بالإعتداء، باسمه، ليسوا طلاباً. فلماذا أتوا؟ سؤالٌ يُطرح وبإلحاح في جامعة هوفلان. ووحده صادق الجوهري، مسؤول “حزب الله” في الجامعة، عُرف من كل المجموعة. هذا أولاً. ثانياً، هل اعتاد هؤلاء المهاجمون، إذا ثبت أنهم طلاب من “حزب الله”، أن يحملوا سكاكين بدل الأقلام؟ ثالثاً، هل يمكن أن يكون هؤلاء ممن يتم منذ أعوام تسجيلهم في الجامعة من دون ان يحضروا، ويصار الى دفع أقساطهم في شيك واحد ممهور بتوقيع حزبي، لسببٍ في نفس يعقوب؟
يبدو أن هناك إصراراً من المعتدين، ومن لفّ لفّهم، على تغيير وجه الجامعة، وهو ما جربوه على مدى أعوام، حتى أنه لم ينس أحد من طلاب الجامعة ما فعله هؤلاء يوم رفع طلاب “القوات” العلم القواتي على تمثال القديس يوسف في الجامعة ذات يوم، فعمد هؤلاء الى قراءة القرآن في المكان نفسه. أمرٌ حقاً غريب ليس لتلاوة القرآن بل للأبعاد التي تتجاوز هذه القراءة في جامعة فيها الكثير من تاريخية المقاومة المسيحية على مدار سنين وعقود، وتسميتها بجامعة البشير دليل.