مشهد الأمس من قاعة المجلس النيابي «بازار ومفتوح» [كلمة بازار فارسيّة وهي تعني مكان عرض السعر أو الثمن أو القيمة]، لم يعد باستطاعة اللبنانيّين أن يتحمّلوا حال الـ»ألابندا» [أيضاً ألابندا كلمة فرنسية معناها الفرقة فأصبحت تستخدم لتعبر عن الصخب والضجة] التي يعيشونها، مشهد غير مفهوم وغير مبرّر أن يلقي رئيس الحكومة الأوراق على الطاولة ويغادر الجلسة غاضباً، لا يحتمل البلد هكذا المشهد، كاد يتحوّل إلى فتنة طائفيّة!!
طوال الأسبوع الماضي عاش اللبنانيّون على إيقاع «دكّات ورعبات» بركة مياه كادت تشعل حرباً أهلية جديدة، أسبوع انتهى بمشهد إستفزازي لعراضة سيارات دفع رباعي لشباب تمّ حقنهم بالسمّ الطائفي وإرسالهم إلى القرنة السوداء ليصطفوا ويؤدّوا الصلاة، هذا مشهد ينذر بالخطر المحدق بلبنان، نوّاب بشّار الأسد جاهزون لإشعال البلد ناراً موقدة، وأكملوا على اللبنانيّين بمشهد «خناقة» المشهد النيابي ليستيقن اللبنانيّون أنّ ما يعيشونه واقعٌ سياسي «بزرَميط» بكل ما تعنيه الكلمة [«بزرميط» جاءت من كلمة pizzar الفرنسية الأصل وهي بمعنى غير متناسق فتحولت إلى بزرميط لتدل على نفس المعنى].
أهؤلاء الذين يفترض بهم أن يضعوا خطّة طوارى إقتصاديّة لإنقاذ البلد، الكلام سهل جداً، وفي هؤلاء البعض من يحبّ «مظهر المنقذ المعجزة»، كيف نثق بأن مجرّد نقاش حول بند كاد أن يفرز البلد طائفيّاً وأنّ اللغة الطائفيّة ترتفع في لحظة وبإمكانها أن تشعل بلداً حتى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة!!
يشهد اللبنانيّون كلّ يوم مشاهد ـ فضيحة كالتي شاهدناها بالأمس، بازار مزايدات مسعور لا يجد من يوقفه والحبل عالجرّار فالرّدود لم تنتهِ بعد، والدولة باقية على حالها تماماً كما اللبنانيّون باقون على حالهم، بالأمس كثيرون على مواقع التواصل الإجتماعي اعتبروا المشهد «طبيقة» واحدة، في دولة التلزيم بالتراضي والهدر والسمسرات، فأيّ طوارىء وإنقاذ سيطبّقون؟!
النّاس لم تعد تحتمل هذه المهازل والاستمرار على هذا المنوال من القلق ومن المؤسف أنّ كلّ محاولات الطمأنة تنهار على رؤوس مروّجيها الّذين يعدوننا بحلول ثمّ نجدهم «يقبّرون» بعضهم على الشاشة تحت قبّة البرلمان، يعجز هؤلاء حتى عن تسكين مخاوف جديّة تعصف بأذهان اللبنانيّين.. منذ العام 2005 ووضع اللبنانيّين ينحدر بثبات وقوّة بفعل الأزمات التي توالت على لبنان وعليهم حتّى أوصلتهم سياسة الحكومات المتعاقبة والفرقاء السياسيّين المتعنّتين إلى هذا الحال المخيف اليوم!
فيما كان هؤلاء منشغلون بصراع الدّيوك ويتناوبون على الشاشة، كانت صرخة أصحاب المولّدات تنذر بالظلام نهاية الأسبوع بسبب سعر صرف الدولار الذي يصر أصحاب المحطات أن يقبضوه منهم ويباع في السوق بـ 1590 ليرة، من سيدفع ثمن أزمة الدولار وسعر الصرف غير المواطن اللبناني، خصوصاً أنّ حاكم مصرف لبنان نأى بنفسه عن الأزمة بقوله: «مش كلّ شي بدّو يحلّو مصرف لبنان»، في عزّ هذه «العَرْكة» كان رئيس الحكومة والوزراء والنواب يملكون ترف افتعال أزمة صاحبتها نبرة طائفيّة، فهل هناك أسوأ من هذا الواقع «البزرميط» المفروض على اللبنانيّين؟!
لم يعد «يُلحّق» اللبنانيّون على حالات القلق الشّديد التي تحاصرهم وعلى كلّ المستويات ولا على الواقع المخزي والـ»أونطة جي» [كلمة تركية الأصل وتطلق على من لا ينطق بالحق] الذي يعيشونه، خصوصاً عندما ينصبون لنا مشهد السيرك الحيّ في أقوى عروضه من المجلس النيابي!!