منذ أيام التقينا بقيادي ذي سمعة من الشفافية والنظافة والقدوة في الأخلاق والعمل الوطني والبعد عن الطائفية البغيضة، قال لي: سترى أنّ أوّل عمل بعد إجراء هذه الانتخابات سيكون أمام المجلس الجديد البحث عن قانون جديد للانتخابات، لأنه من أسف شديد لم أرَ في حياتي قانوناً يفتش كيف يفرّق بين أبناء البلد وحتى أبناء الطائفة، وكيف يغدرون ببعضهم البعض.
وأضاف: انظر الى اللوائح، ماذا يعني أولاً تركيب اللائحة؟ أي انك تفتش عن حلفاء لا يجمعهم مبدأ أو خط سياسي أو أهداف مشتركة، من الممكن أن تبحث عن أثرياء حصلوا على المال بصورة غير شرعية، لأنهم قادرون على التمويل، تختارهم في لائحتك ولو كنت غير مقتنع بهم، إنما بسبب الظروف المالية أنت مضطر للتحالف معهم.
ثانياً- الكثير من اللوائح، يتبيّـن أنّ كلاً منها مجموعة من التناقضات لا يجمع بينها سوى الوصول الى المجلس النيابي، أي انك مستعد أن تتحالف مع الشيطان لتأمين الحاصل الانتخابي أولاً الذي يؤهّلك لأن تكون مرشحاً، ثم الصوت التفضيلي.
ثالثاً- عندما يجبر الناخب على إختيار لائحة كاملة، ماذا يعني هذا؟ يعني أنك بعيد كل البعد عن الديموقراطية، ألف باء الديموقراطية حرّيتك في اختيار من تريد، على سبيل المثال أنت حر أن تختار كل من تريد أن تقترع له من اللوائح كلها وحتى من المستقلين (الممنوع تقدمهم للانتخابات بالقانون الحالي)… والواقع أنه لا حرية لديك للانتقاء، أنت مجبر باللائحة كاملة.
رابعاً- يمكن أن تحصل لائحة على عدد معيّـن من المقاعد، فيأتي دور الصوت التفضيلي فيمكن أن يكون للبعض أصوات أعلى من الأصوات التي نالها الآخر… ولكن «الحاصل» لا يمكنك من الفوز رغم حصولك على أصوات أكثر من غيرك، بسبب الصوت التفضيلي.
خامساً- الذي قسّم هذه الدوائر الانتخابية سيزيد الإنقسام في البلد، على سبيل المثال لا الحصر: الدائرة الثانية في الشمال بأقضية زغرتا البترون بشري والكورة: الجميع يعلم أنّ الزعماء الثلاثة هم: سليمان فرنجية والدكتور سمير جعجع والوزير جبران باسيل، وهؤلاء الثلاثة يعتبر كل منهم أنه المرشح الأهم لرئاسة الجمهورية فأنت فتحت معركة رئاسة الجمهورية قبل خمس سنوات من موعدها القانوني.
الى ذلك، ومن أسف، أنّ الثلاثة مختلفون في ما بينهم، ومهما كانت فإنّ الراسب لن يقبل النتيجة.
الى ذلك، دائرة صيدا – جزين… أين المنطق؟ صيدا هي ثالث مدينة سنّية في لبنان من حيث السكان (بعد بيروت وطرابلس) والمفترض أن ينتخب أهل صيدا زعيمهم، فلماذا ابن جزين ينتخب نائب صيدا؟ وما علاقة أهل صيدا بجزين… «أهل مكة أدرى بشعابها»؟.
نعود لنقول: إذا بعد 9 تسع سنوات، توصّل الزعماء والمجلس النيابي الى هذا القانون فإنها لكارثة وطنية.
والمشكلة ليست اليوم في الانتخابات إنما هي غداً بعد النتائج، ويمكن تشبيه القانون والانتخابات بما جرى في العام 1957 التي كانت من نتائجها ثورة 1958 في أواخر عهد الرئيس كميل شمعون.
طبعاً هناك الكثير من الأمثلة، إنما انتقينا أمثلة محدودة تدليلاً على ما في هذا القانون من ثغرات، وربّـما كان أخطر تلك الثغرات تقسيم بيروت على أساس طائفي، بينما العاصمة هي رمز الوطن كله، بفئاته كلها، وتقسيمها الى دائرتين إنتخابيتين على قاعدة طائفية فهذا ما يمكن اعتباره خطيئة وطنية لا تغتفر.
عوني الكعكي