ليس مسار العمليات العسكرية الجارية في الشمال السوري سوى إضافة دموية على النص الخاص بالأداء الأميركي الكارثي إزاء هذه النكبة المفتوحة على الأسوأ.. لكنها برغم ذلك، اضافة تثير العصب والغضب اكثر فأكثر، وتدل دلالة أخرى على ان إدارة اوباما استقالت حتى من وظيفة شكلية تتعلق باجتماعات جنيف ومناخاتها.
خلف ستار وضجيج وتفاصيل ما يجري في جنيف، تفلت الآلة الحربية الروسية من دون اي ضوابط: تقصف وتدمّر وترتكب مجازر في حق المدنيين بالجملة، وبطريقة مكثفة وتصاعدية ولم يسبق لعنفها وضراوتها مثيل منذ بداياتها في أواخر شهر أيلول الماضي وصولاً إلى تسجيل أكثر من مئتي غارة جوية على منطقة محددة في ريف حلب في غضون ساعات معدودة يوم أول من امس الثلاثاء.
وفد المعارضة حاول الإضاءة على ما يحصل وقدّم عيّنات عن غضبه.. لكن ذلك ظل تحت سقف البقاء في جنيف انطلاقاً من قراءة (صحيحة) تقول إن الروس يحاولون استفزازه ودفعه إلى الانسحاب بما يضعه في خانة المرتكب والمدان بتفشيل «فرصة» الحل المرتجى!
والواضح في المقابل، ان البلطجي الروسي يريد ذلك وغير ذلك. ويفترض انه كاسب رابح في الحالتين: اذا انسحبت المعارضة كان به! واذا بقيت فهي لن تتمكن من لجم المسار الهجومي تبعاً لغياب الرديف الأميركي الموازي للروس في الميدان والبيان!
والروسي في سوريا بلطجي بطاش ووحشي أرعن وتعوزه أخلاق الفرسان.. يتصرف على كيفه. ولا يضع في حسابه سوى تكرار المشهد الشيشاني. وفي الحالتين كان الغرب غائباً ولا يزال امام مذبحة مخزية ترتكب على أيدي سفاحين يمثلون ذروة الانحطاط في هذا الزمن الأغبر واللعين!
الروسي في سوريا يملأ الفراغ من دون حياء.. وينفذ حرفياً كل ما في «رخصة» القتل التي اصدرها وقدمها اليه الأميركيون وسمّوها تمويها الطريق إلى الحل السياسي! ولا يتورع حتى عن «إحراج» واهب الرخصة!
ليس ذلك غريباً عن نظام في موسكو، يعود ليعتبر ستالين إحدى ايقوناته.. لكن الغريب هو ان يغيب ناظر الخارجية الأميركية جون كيري عن السمع تماماً بتاتاً، في وقت يحضر وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند ليطرح سؤالاً ولا أخطر منه: «هل روسيا ملتزمة حقاً عملية سلام، أم انها تستخدم عملية السلام كورقة توت تخفي وراءها محاولة لتقديم نصر عسكري من نوع ما للأسد يتمثل في إقامة دويلة علوية في شمال غرب سوريا»؟!!
في السؤال إدانة تامة للإجرام الروسي، لكن الأخطر من ذلك، اشتماله على شبهة ادانة لما يمكن ان يسمى النفاق الأميركي في سوريا.. إذ ليس معقولاً ولا طبيعياً، ان تكون ادارة اوباما جاهلة بما يحصل على الارض، وبما ترتكبه الآلة الحربية البوتينية، وباستهدافها، مثلما قال هاموند ايضاً «معارضي الأسد« تحت ستار «محاربة الإرهاب«! مثلما انه يستحيل ان تكون غاشية عن «الخريطة» التي يرسمها بوتين، بالحديد والنار والمؤدية، اذا استمرت او نجحت، إلى تكريس واقع انقسامي ينهي سوريا التي يعرفها العالم.. وكل ذلك، تحت ستار البحث عن الحل في جنيف؟!
شيء واحد لم تفعله إدارة اوباما بعد ضد الشعب السوري: مشاركة الروس في قصف قواه المعارضة بالنار!