IMLebanon

هستيريا القيصر بعد الصفعة و«الطعنة»

لم يكن متوقّعاً أن يعلن قيصر الكرملين الحرب على تركيا و «السلطان» رجب طيب أردوغان الذي اعتذر ولم يعتذر عن إسقاط سلاح الجو التركي المقاتلة الروسية. كل ما في الأمر لدى الرئيس فلاديمير بوتين أن الجار التركي لسورية، «طعن» هيبة القيصر في «الظهر»، بعد صفعة إسقاط «داعش» بالمتفجّرات طائرة الركاب الروسية فوق سيناء.

في الظاهر، روسيا والغرب- وعلى رأسه أميركا – يتسابقان على «دحر داعش»، فيما الضحايا المدنيون لإرهاب التنظيم أعداد تتضاعف، والصراع بين كل خصومه على أشده. فإن كان يوحّد الروس والأميركيين في المعركة ضد الإرهاب، فمصير بشار الأسد كافٍ لترسيخ شروخ عميقة في جبهة يفترض أنها تمتد من موسكو إلى طهران وأنقرة، فباريس وبرلين ولندن وواشنطن.

أسابيع معدودة بين الصفعة في سيناء والطعنة على الحدود التركية – السورية. لم يكن متوقعاً كذلك أن يعلن الحلف الأطلسي حال استنفار للدفاع عن سيادة تركيا التي خرقتها المقاتلة الروسية، وخوض حرب على أسطول القيصر في المتوسط، وعلى قاعدته في اللاذقية. لكن المواجهة على هامش الصراع على سورية، مثل واضح لعدم حتمية النتائج، كلما أراد «قيصر» أو «سلطان» إنقاذ هيبة قوة كبرى أو تثبيت مواقع قوة إقليمية، لها امتدادات عرقية في سورية والعراق، البلدين المنكوبين بالحروب والإرهاب والأطماع.

إسقاط تركيا المقاتلة الروسية، جاء بعد ساعات على مغادرة بوتين طهران، حيث وضع والمرشد علي خامنئي مدماك «حلف مميز»، بل وجّه رسالة مباشرة إلى الغرب بأن روسيا جاهزة لإعادة القدرات النووية التي حجّمها اتفاق إيران والدول الست. وأطلقت القمة الروسية- الإيرانية شارة مرحلة جديدة في دفاع موسكو وطهران عن نظام بشار الأسد. فبعد محاولة موسكو إيهام الجميع بأنها لا تدافع عن مصير حاكم، بل عن مصير دولة ومؤسساتها، صعّدت لهجتها ضد الذين «يختارون للشعب السوري مَنْ يحكُمه». تزامن ذلك مع انهيار أفق الحوار الأميركي- الروسي، وسعي واشنطن إلى إغراء الكرملين بجاذبية الحرب على «داعش».

و «السلطان» الذي استفزّته نتائج القمة الروسية- الإيرانية، وتفعيل خططٍ لتسليح طهران سريعاً، خصوصاً تزويدها منظومة صواريخ «أس 300»، لا يمكن أن يتراجع لاحقاً أمام أي انتهاك جديد للأجواء التركية. وتصبح حسابات المواجهة أكثر إيلاماً، كما هي معقّدة لدى الروس. فعلى رغم خريطة الصراع على الأراضي السورية، وموازاة الكرملين بين خطط الحل السياسي وتصفية قوة الإسلاميين والمعارضين عموماً للنظام السوري، لا يبدو يسيراً لأنقرة الصمت طويلاً على سياسة الأرض المحروقة التي يعتمدها الروس في جبل التركمان. وأما «صفقة» المقايضة بين أنقرة وموسكو، فتبدو خيوطها واهية مثلما هي حماسة الرئيس الأميركي باراك أوباما للجم التدخُّل العسكري الروسي في سورية. فالرئيس الذي يكره «داعش» ولا يطيق بقاء بشار الأسد رئيساً، تزداد رهاناته على تمريغ أنف قوة أخرى في الوحول السورية… ولأن هذه القوة عظمى بحجم طموحات القيصر، تصبح هذه الرهانات أغلى ثمناً، وأكثر خطورة.

«داعش» يتلقى الضربات، تزداد الشكوك بين خصومه، وصراعاتهم، فيصمد أكثر. حتى إيران التي تباهت قبل وصول بوتين إلى عاصمة «الهلال الشيعي»، بأنها في مقدّم الذين دافعوا عن نظام بشار، وصدّوا مسلحي المعارضة على بعد مئات الأمتار من مقر الأسد، تحصي الصفعات الموجّهة الى هيبة روسيا «الجديدة»، لعلها تقنع بوتين بأن لا غنى عن دور «الحرس الثوري» في سورية. دلالة أخرى لتوقيت إسقاط الطائرة الحربية الروسية، هي حماسة أردوغان في التبشير بقرب إعلان المنطقة الآمنة التي تمتد من غرب الفرات إلى الحدود السورية- التركية. فوقف طوفان اللاجئين إغراء لأوروبا قد يشجعها على دعم مشروع «السلطان»، وهو حتماً نقيض لخطط الحرب الروسية التي تُخاض على حافة ضرب «داعش»، فتسحق معارضين كما تقتل مدنيين.

والسؤال بعد حفلة الاتهامات المتبادلة بين موسكو وأنقرة، هو هل يكون مشروع المنطقة الآمنة هذه المرة، أولى ضحايا «الاشتباك» الروسي- التركي على حافة الحرب السورية؟ وأياً يكن الجواب، فقد يصبح القيصر بوتين صاحب مذهب جديد في السياسة، يبرر لأي زعيم اتهام آخر بـ «أسلمة» بلاده!

بين الصفعة والطعنة، مرارات ونكبات وهرطقة.