إنها ساعة للحزن على المشرق الذدعربي وليست ساعة للمكابرة والادعاء، مشرق الحرية والرؤى والأحلام، مشرق التنوع والتفتح والإبداع والعقائد والأحزاب، المشرق الذي أمسى أكوام ركام وحطاماً ورماداً ودماءً، وأنا مشرقي حزين على بيروت ودمشق وبغداد عواصم المأساة والنكبات في كل تفاصيل الحياة حيث يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، ويعم الضياع والارتجال وينتفي الخجل والحياء، أنا مشرقي حزين حيث يعم الخواء وينعدم التمييز بين ما نسمعه وما نراه ، وتتلاشى معايير الخطأ والصواب والقبح والجمال، ويختبئ الأقوياء خلف الضعفاء والعقلاء خلف الأغبياء ، والأحرار خلف الجبناء والثوار خلف الطغاة.
أنا مشرقي حزين فلم يعد لدينا ما يكتب أو يقال، أضعنا في النزاع و البيع والشراء انفسنا وأجيالنا ومجتمعاتنا ودولنا وارضنا وسيادتنا وتراثنا وثقافتنا ولغتنا وإبداعاتنا، ومزقنا نازك والسياب ونزار ودرويش وإدوارد، أنا مشرقي حزين ولن اركب قطار بيروت حيفا العريش لأبارك للأشقاء بعودة الحق الذي ضاع، أنا مشرقي حزين على تلاشي روح الحداثة والمعاصرة التي كانت شديدة التألق والخفقان في قلوب شعوب مشرقنا الذي ضاع، وأنا مشرقي حزين على انفراط عقد تكوناتنا الوطنية والقومية والأممية ذات اليمين وذات اليسار بعيدا عن الطوائف والمذاهب والأقليات والأكثريات.
أنا مشرقي حزين على بيروت شارع الحمراء ، حيث تقاسمنا الرغيف والمنبر والجامعة والمطبعة والكتاب، واختلفنا حول الاشتراكية والليبرالية والثورات، والتجارب الغربية والحروب العالمية، وحول الصين وفيتنام، يوم كانت كلمة مشرقي تعني أني إنسان، وكان لبنان بوابة هذا المشرق وشاطئه ومنارته، وفي شارع الحمراء المسرح السياسي والإبداع والبيكادللي والمسرح الغنائي مع الرحابنة وبداهة الاستشراف ودور السينما للمعرفة والاطلاع والموسيقى والغناء وحرية الصحافة والاحتراف، يوم كانت بيروت تستيقظ مع بغداد وتصافح دمشق وعمان وتكتب عن فلسطين في صحف الصباح واخبار المساء وتسأل الفيتوري عن محجوب والسودان.
أنا مشرقي حزين لأني فقدت بهجة الاحتفال بتأميم القناة وأغاني الوحدة والسد العالي في أسوان وثورة الجزائر وبن بلا وجميلة بوحريد وبشهيد العمال في تونس فرحات حشاد ومغرب محمد الخامس وثورة الاستقلال، أنا مشرقي حزين وعاجز عن البكاء والنواح كي لا يخاف الطغاة الهواة من بقايا العزيمة والكبرياء في مشرق الشتات ومخيمات النزوح والضياع، حيث تسبى النساء ليل نهار وتدنس طهارة الأطفال البؤساء من اجل حفنة حقيرة من الدولارات، وتقدم اوطاننا كأطباق المقبلات على موائد الدول والتجمعات.
أنا مشرقي حزين من لبنان سلبتُ حرية الاختيار والسكينة والأمان بقوة السلاح على أيدي المرتزقة الصغار، وخسرت المواطنية بانهيار الدولة تقاسم المؤسسات بين هذا الفريق وذاك وبين الطوائف والمذاهب والزعامات، وسقطت عاصمة وحدتنا ومدينتي بيروت بين السواتر الترابية وحواجز القتل على الهوية اللبنانية والفلسطينية، أنا مشرقي حزين من لبنان اقتلعت من حقولي وجرودي ومنعوا عني زرقة السماء ونجوم الليل في لبنان، وأُخذتُ رهينة كسواي إلى معتقلات طائفتي يوم تبادلت الطوائف والمذاهب اسرى النزاعات في لبنان، أنا مشرقي حزين من لبنان محطم مكسور الخاطر والوجدان ممزق العزيمة بفعل الغدر والاغتيال فوق الاغتيال، أنا مشرقي عربي حزين على بيروت ودمشق وبغداد.