لستُ نائباً في مجلس النواب لأنتخب رئيساً للجمهورية. لكني، من حيث المبدأ وفي الواقع العملي، مواطنٌ يتمتع بكامل حقوق المواطنة. من واجبي ومسؤوليتي، تالياً، أن أبدي رأياً في مسألة تهمّ المواطنين وتعنيهم مباشرةً، ربما أكثر مما تعني النواب الذين مدّدوا لأنفسهم، وباتوا، في معنى من المعاني، غير شرعيين. أنظر إلى مسألة رئاسة الجمهورية بصفتي مواطناً، لا بصفتي ملتحقاً بطائفة، أو بمذهب، أو حتى بجماعة سياسية. لستُ معنياً البتة بأنواع الالتحاق هذه، بل أنا أزدريها جميعها، وخصوصاً منها الطائفية. إلاّ المواطنة، التي هي وحدها علامتي الفارقة. ويجب أن تبقى وحدها علامة المواطنين الفارقة.
كم أشعر بالعيب لأن المرشحين إلى منصب رئيس الجمهورية ليسوا معتبَرين مواطنين بل فقط أعضاء “أقوياء” في طائفة. هذا انتقاصٌ كبيرٌ جداً من شخص الرئيس ومن معنى الرئاسة. وإنه لمن العار حقاً، أن يضطر المواطن إلى النظر إلى هؤلاء المرشحين من كونهم منتمين إلى مذهب، ومن كونهم تالياً ناقصي المواطنة. هل سأل أحدُ النواب هؤلاء المرشحين عن ماضيهم وحاضرهم في المواطنة، ليبني على الشيء مقتضاه، فيؤيد مَن يؤيد ويرفض مَن يرفض؟ انطلاقاً من السؤال نفسه، هل سأل أحدهم هؤلاء النوّاب والمرشحين، بأيّ معنى هم يمثّلون البلاد (الوطن) والمواطنين… إذا كانت المواطنة دونية، محتقَرة ومبتَذَلة، إلى هذا الحد؟ أنا شخصياً، أشعر بالعيب والعار، لأنني مغيّب كمواطن. هذان عيبٌ وعارٌ معنويان لا توازيهما سوى الجرائم الفردية والجماعية التي تُرتكَب في حق البلاد ومواطنيها. وكم أودّ أن أقف على قوس محكمة لأعرب، كمواطن، في حضرة القانون المدني، عن الجريمة العلنية التي تُرتكَب في حق الجمهورية اللبنانية، وأمام المواطنين، وعلى مرأى من السلطات الدستورية والقانونية والقضائية، والتي تتمثل في كيفية تعرية المرشح – المواطن من كفاءاته وقيمه، وحصرها في شخصه المذهبي. يستطيع المحامون والقضاة ورجال القانون المدنيون، أن يتولوا مسألة كهذه، وتحديداً مسألة الترشح للرئاسة، وشرعيتها العامة، وأن ينزعوا عنها صفتها الوطنية، باعتبار أن القضية محصورة في الانتماء المذهبي لهؤلاء المرشحين، أياً تكن أوصافهم وأوزارهم وموبقاتهم الأخرى.في هذه الحال، فليُسمَح للفاقد الأهلية الوطنية بأن يترشح. كذا أقول عن رئيس العصابة، والمنتهز، والسارق، والقاتل، والناهب، وقاطع الطريق، وغاسل الأموال، وفارض الخوّة، والمهرّب، والمتلاعب بالبورصة، والمثير الفتن الطائفية والمذهبية، والملتحق بدولة أجنبية، والعميل، وهلمّ! لستُ نائباً في مجلس النوّاب. لكني مواطن. بهذه الصفة بالذات، أتهم المرشّحين للرئاسة والنوّاب، بفقدان الأهلية الوطنية للترشّح والانتخاب!