توقفت كثيراً عند خطاب الرئيس سعد الحريري ملاحظاً أنّ الجمهور الذي يلتف حوله يزداد من مناسبة الى أخرى، فكل سنة، وبالذات في ذكرى الإغتيال، يظن البعض أنّ الجمهور الى نقصان، ولكن العكس صحيح.
1- في الإسلام أنّه عندما يتزوّج المرء يكون قد أكمل دينه، وهذا يعني الزواج والإنجاب أيضاً، فيترك أثراً في الحياة، حتى إذا توفي الوالد فإنّ الأبناء يعطون الاستمرارية للعائلة.
من هنا، فإنّ ربّ العالمين أكرم الرئيس الشهيد رفيق الحريري بأولاده الذين جعلوا الناس يترحمون على الرئيس الراحل، إضافة الى أنهم، وبالذات الشيخ سعد، حملوا رسالة الوالد… فهو الى الرسالة حافظ على أصدقاء الشهيد والذين تعاونوا معه.
2- ثم كان تركيز على العلم في مهرجان «البيال»، فكم أنّ الطلاب، بعشرات الألوف الذين علمهم الحريري يدعون له ويحفظون له الود والجميل.
وروينا في افتتاحية «الشرق» الأخيرة يوم أول من أمس السبت، إحدى قصص تفوّق هؤلاء الطلاب، وفي المهرجان لفتني الطالب محمد ياسين ابن المزارع… وقد أخبرنا أنّه باع شركته من كارلوس سليم، وقد تقاضى ثمنها 180 مليون دولار، وهذا نموذج عما أنتجته فكرة الرئيس الشهيد وما أسفرت عنه من نتائج باهرة، علماً أنّ محمد ياسين عاد الى لبنان ليؤسّس شركات مهمّة وليعمل الكثير من الأعمال الخيرية.
3- ومن ثم لفتني أيضاً الشبان الثلاثة من طرابلس الذين أدّوا أغنية «راب» وقد انقسمت الآراء حولهم، فريق لاحظ أنّ هذه دلالة على أنّ طرابلس هي، كما دائماً، مدينة الإنفتاح والتعايش بين المسلمين والمسيحيين وليست مدينة التخلّف أو التزمّت، وهي منفتحة على الحضارة.
طبعاً هناك رأي آخر يرى أصحابه أنّه لم يكن مستحباً موضوع الغناء في هكذا مناسبة، ولهؤلاء أقول: إنّنا كنا في إحياء الذكرى وليس في تقديم التعازي، والذكرى محزنة بلا شك، ولكن فيها فرح «الأسطورة» التي اسمها رفيق الحريري الذي ننظر إليه في ذكراه من زاوية الفرح والبسمة والإعتزاز… وهو الذي زرع الفرح في 35 ألف عائلة ممن علّمهم وأوصلهم الى أرفع الدرجات الجامعية.
4- نعود لدولة الرئيس الشيخ سعد الحريري الذي كان بارعاً في التعاطي مع هذا الجمهور، قادراً أنّ يبكيه وأن يفرحه في آن معاً، لأنّه قريب من هذا الجمهور العريض ومتفاعل معه في لحظات الفرح ولحظات الترح، وهذه ميزة لا تتوافر إلاّ في قلّة من الزعماء.
5- ومن الناحية السياسية كان الحريري صريحاً جداً في أنّه دخل الحوار خوفاً من الفتنة السنيّة – الشيعية، وهو يدرك تمام الادراك أين أصبحنا اليوم مع هذه الفتنة.
وبوضوح كامل طالب «حزب الله» بأن يسلّم المتهمين الخمسة باغتيال الرئيس الشهيد وقد تردّد أنّ أحدهم (بدر الدين) يقود المعركة في القنيطرة لمصلحة النظام السوري ضد معارضيه.
وقال سعد بصراحة إنّ وجود «حزب الله» في سوريا غير مقبول، وهو جنون، هو جنون في داخل سوريا، وهو جنون في القنيطرة، وهو جنون في العراق(…)
6- واستعمل الحريري التعبير الذي استخدمه الأسد تهديداً للبنان، فقال عنه: «هدّدنا بشار بتكسير لبنان على رؤوسنا لكنه كسر رؤوس السوريين».
7- أمّا الحوار فليس من أجل الحوار فقط، قالها لـ»حزب الله» بما يعني: كفى عرقلة لانتخاب رئيس للجمهورية، فقال لهم لستم مستعجلين على الانتخاب… ما يعني أنّهم يعرقلونه.
8- وكان لافتاً ومهمّاً تشديد الرئيس سعد الحريري على ضرورة حصرية السلاح بيد الدولة عبر مؤسّساتها العسكرية والأمنية الشرعية.
9- واستطراداً تشديده على أن يكون قرار الحرب والسلم في يد الدولة أيضاً، فلا يحق لأي طرف كائناً من كان، ومهما كان شأنه، ومهما كانت ذرائعه أن يتخذ قرار الحرب والسلم بالنيابة عن الدولة.
10- أما الإعتدال فهي النقطة المركزية والعنوان الأساس في الخطاب، لم يكتفِ بذلك، بل ذهب الى أبعد حدود الإعتدال وإنْ متطرفاً: وإنني متطرّف الى الإعتدال، إنّني متطرّف الى الجيش، وإنّني متطرّف الى الحوار، إنّني متطرّف الى لبنان واحداً موحّداً.
11- أخيراً لا يفوتنا أن نذكر أنّه ترحّم على المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز، مع كلامه عن الملك سلمان الذي نعرف ماذا يعني لعائلة الحريري، وهو يعتبر هذه الأسرة كأنّها أسرته، وينظر الى الرئيس سعد الحريري نظرة الأب الى ابنه…
12- ولا بدّ من الإشارة، أخيراً، الى الشهادات الدولية العالية التي صدرت عن قادة كبار في العالم… وهي شهادة حيّة بالمزايا التي كانت تكتنز بها شخصيّة الرئيس الشهيد، ويشكر من أعد الملف الخاص بالمناسبة بما فيه تلك الشهادات.