IMLebanon

«أنا شارلي» شعار ضد الإرهاب.. لا مع المضمون

 

سرى شعار «أنا شارلي» سريان النار في الهشيم باعتباره شعاراً ضد الارهاب ومع حرية التعبير، من دون ان يعني ذلك اي تضامن أو تأييد لمضمون الرسوم الساخرة المستفزة للاديان التي درجت على نشرها مجلة «شارلي ايبدو» باعتبارها مناهضة للاديان السماوية التي يرى فيها معتنقوها، سواء أكانوا مسلمين أو مسيحيين او حتى يهوداً، مقدسات يحرّم مسّها. انه شعار ادانة للارهاب مهما كانت ذرائعه خلافا لمقولة الغاية تبرر الوسيلة باعتبارها مثالا سلوكيا جاهليا. 

فالتطرف الديني دفع مسلمين فرنسيين من اصول مغربية الى تنفيذ اوامر «تنظيم القاعدة في اليمن» بتصفية معظم هيئة تحرير المجلة لانها تجرأت واعادت نشر صور مسيئة للرسول الكريم، بعد ان ادى نشرها صورا مماثلة قبل سنوات الى إحراق مكاتبها. واثارت العملية سخطا دوليا وعربيا تجلى في تظاهرة جابت شوارع باريس الاحد تقدمها رؤساء دول ورسميون كبار ولم تكن تظاهرة مسيحية ضد الاسلام ولا كانت تظاهرة للمجتمع الدولي ضد منطقة الشرق الاوسط بل تظاهرة المواطن الانسان ضد الارهاب. وقد تفشى شعار «أنا شارلي» الذي تقدم التظاهرة كبقعة زيت في سائر عواصم العالم.

ويتساءل سياسي لبناني محنّك عن سبب اختيار فرنسا بالذات للكشف عن مدى تورط مسلمي الغرب في «الجهاد». ويقول «قد يكون السبب انها رأس حربة المناداة الدولية بالتخلص من بشار الاسد التي خذلها «التردد الاميركي»، كما انها من ابرز الدول الغربية التي تدعم حقوق الفلسطينيين.

فبدل ان يتدخل الغرب لإنهاء الازمات التي اندلعت في الشرق الاوسط بين شعوب مضطهدة وانظمة استبدادية، تقاعس حتى تفجر العنف وبات يشكل بيئة خصبة لنمو الفكر الجهادي لان الضربات الجوية لا تكفي للقضاء على المتطرفين ولان الامر يتطلب انخراطا فعليا.

فمشكلات العالم الناجمة عن تفشي التطرف لا تحل بوصفة جاهزة وخصوصا ان العولمة نقلت المجتمعات من مجتمعات متجانسة الى مجتمعات مختلطة. فالغرب كان قد نجح في الفصل بين الدين والدولة إذ اخرج، الله جلّ جلاله، من الحياة العامة وأودعه حيزّ الحياة الخاصة، لكن احداث 11 ايلول 2001 في الولايات المتحدة واخيرا ما شهدته فرنسا الاسبوع الماضي، أعادت الله الى الحياة العامة لان التحرك يأتي باسم الدين.

فعندما تم ارساء المفاهيم الفرنسية الحديثة بعد الثورة كان المجتمع كتلة واحدة كاثوليكية، اما الآن فقد تغير الوضع كليا حيث هناك ستة ملايين مسلم وثمة اقل من ملايين يهودي غالبيتهم من اوروبا الشرقية او من دول المغرب العربي.

إذن ثمة اختلافات كبيرة رغم ان الاختلاف يجب ألا يكون سببا للتقاتل وإنما للتطور. لكن هناك أسباباً عدة تراكمت لتؤدي الى ما ادت اليه من دون ان تبرره. فتاريخيا ثمة اختلاط واضح بين الصهيونية والسامية وحاليا ثمة من يدفع باتجاه اختلاط مماثل بين السنة والارهاب.

ويلفت المصدر الى ظلم اجتماعي يلحق بالمسلمين في فرنسا المتقوقعين في الضواحي وان كان هذا الظلم وعدم الاندماج لا يبرران بأي شكل من الاشكال ما حدث. لكن اليهودي اذا ظلم فثمة قانون يحميه تحت شعار قمع معاداة السامية، وأورد مثالاً على ذلك ما نال المفكر الفرنسي روجيه غارودي في السنوات الماضية.

ويشير المصدر الى محاولة رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو إضفاء غطاء مذهبي على ما جرى في باريس عبر نقل جثامين اربعة يهود فرنسيين ليدفنوا في اسرائيل وكانوا قد قضوا في العملية التي استهدفت لاحقا متجرا يهوديا بهدف مساعدة منفذي اعتداء «شارلي ايبدو» على الهرب. فللاسرائيليين تراث طويل في ادعاء الاضطهاد لابتزاز الغرب المثقل اصلا بعقدة ذنب المحارق التي نفذها ادولف هتلر باليهود، لكن المغاربة، ورغم شعورهم بالاضطهاد، لم يطالبوا بنقل جثامين ابنائهم الى المواطن التي تحدروا منها.