IMLebanon

أنا عمران

هنــاك على مقربة من المحرقة حيثُ الدخان المتصاعد مع الغيم حتى السماء.. هنــاك على بُعد خطوات من البحر الذي سرق منـا حلم أيلان…

هنا داخل هذا النفق الطويل من الظلمات والآلام.هنا.. عند تقاطع الحياة مع المذابح..هنا.. نحاول عبثاً أن ننقذ حياة أطفال علقوا تحتَ الركام والأنقاض.

هنا حيث يعلو صراخ المفجوعين من الرجال والنساء…. هنا على حافة الموت وسط الجحيم والفراق الذي يُلقي بحممه في كل مكان….. هنا حيثُ تنهمر البراميل والقنابل المحرمة دولياً والتي أحالت مدن وأرياف مثل حلب

والمعظمية وداريا وحمص وريف دمشق إلى هياكل من دمار… هنا تأتيكَ الطائرات من بعيد مختبئة وراء صمت العالم الذي لم يعد يقيم وزناً لأرواح الأبرياء..

.. هنا بلاد تنام وتصحو على مستنقع كبير من الخراب والدماء.. هنا 18 آذار 2011 البداية..هنا على بُعد خطوات من درعا وحي باب عمرو حيثُ كُنا نسمع دوي إطلاق الرصاص على التظاهرات الأولى، حيثُ كُنا نسمع عن العقاب الأول لأجساد فتية وأصابعهم التي كتبت حريتهم على الجدران..هناك ألقوا القبض على حمزة الخطيب وألقوا بجثته أمام منزله مع آثار كل ما إستطاعوا من وحشية وتعذيب وجرائم..

وهنا نحاول أن ننقذ بلاداً واسعة من سنوات الإختناق والإرهاب والقسوة والإعتقال.. هنا من حلب حيثُ أعلنَ الخوف إنشقاقه على أنظمة الأمن والقمع والإستبداد..

أنا عمران..أنا….. وحدي.. أنا وجهي المغطى بقسوة المكان والزمان بما تفعله الأيدي الآثمة من قصف وفظائع..

أنا جسدي الذي يرتعش من هول مشاهد الأشلاء الممزقة الملقاة في الحارات والأحياء والشوارع..أنا إختصار لأسماء متعددة يلقى فيها الطغاة في فوضى هذه المذبحة المفتوحة..

أنا عمران أنظر حولي..أنظر إلى حزني وحيداً أخاف من إحتمال العودة إلى حيثُ لم يعد جسدي يستطيع الإحتمال..أسأل لماذا يحتاج القتل إلى كل هذه الغارات ؟!أسأل لماذا الموت يحتاج إلى كل هذه الجنازات ؟!

اسأل الجنود القادمين من بعيد عن سبب وجودهم هنا !! وأسأل المحاصرين هنا عن سبيل للخروج من جرحي إلى فضاء بعيد يتوفر فيه أدنى فرصة للحياة ؟! لم يبق لي متسع من الوقت للتفكير في الخروج من هذا الحصار لدمي..وكل شيء ينهار أنقاضاً هنا حتى الأحلام.. لم يبق لي سوى ساعة للتأمل قبلَ أن تسقط طفولتي عند الطريق المؤدي إلى مجزرة جديدة.. لم يبق لي سوى دقائق للعودة إلى ذكرياتي قبل أن يطلع علينا نهار آخر بمزيد من الجنون والحرائق.. لم يبق لي سوى ثوانِ للسير والإحتماء في ظل زهرة كبرت داخل ثقوب جدران الأبنية التي مزقتها الأحقاد والقنابل..

أنا عمران..الشاهد على بلادٍ غادرها القديسون والأنبياء والأولياء.. وتجتاحها الكراهيات والعصبيات والشعارات والأتنيات والطوائف..وتحاول أن تقيم فيها المذاهب خرائط جديدة لدولِ بديلة مفككة في صحراء العقائد.

أنا عمران..أشهد أن التاريخ لن يرحم كل من ساهمَ في حماية الإستبداد بالموقف أو الرأي أو البنادق.وأشهد أن يوماً لن يكون بعيداً سأعود إلى مدرستي وكتابي وطاولتي ورفاقي وإلى الركض في حارتنا القديمة دون أن توجه إلى رأسي رصاصة من خلف الستائر.وأشهد أنه مهما طالَ الحصار لن يستطيع تركيع الضوء الطالع من إرادة التغيير لظلمة هذا الواقع ؟..

أنا عمران.. من يشاطرني أسئلتي ؟!

يوجعني أكثر هذا الإنتظار.. من يشاطرني هذه الشظايا فوق جسدي ؟ من يشاطرني عناء البقاء حياً ؟.. من يشاطرني السير على حافة هذه الهاوية..

لكن.. سنخرج من هذا الأفق المسدود الذي وصلت إليه آلة القتل العمياء للطاغية..سنخرج من غروب هذا النهار إلى فضاء لروحي دون سياج…الآن لم يبق لي سوى الهجرة على متن قارب صغير أشق فيه هذا البحر المؤدي إلى ضفة أخرى.. للنسيان والإنتظار..لأقيم عليها خيمة لأحزان حاضري.. وأستعيد فيها وجوها وأصواتا غادرتنا قبل الآوان.. وأنشد منها عودتي وحريتي التي لا شكَ في أنها في القادم من الأيام آتية.

(❊) عضو هيئة الشؤون التنظيمية في «تيار المستقبل»