كَبُر «فتى الكتائب» وصار رئيساً لحزب أبيه وعمّه وجدّه وعائلته.. والوطن. الشاب الرئيس، لم يصل إلى ما وصل إليه عبر الوراثة السياسية. مَن يقول ذلك لا يعرف تاريخ سامي الجميل ونضالاته. ما يزال المرشح لرئاسة حزب «الكتائب» يتذكّر أيام النضال، أيام ضَرَب وضُرِب. أيام سُحِب إلى «الريو» ووُضِع في زنزانة، وخرج منها ثم عاد إليها. أيام احتل عربة الإطفاء ووجّه خرطومها نحو القوى الأمنية. أيام النوم على البحص، ثم «الغازون» في مخيم الاعتصام في ساحة الشهداء، وأيام ساعد «مناضلي التيار الوطني الحر» ليبيتوا في خيمة تقيهم العراء. وهي الأيام نفسها التي دافع فيها عن الجامعة اليسوعية وعن شارع مونو من الآخر. وأيام الحماسة التي جعلته ينجح في الوصول إلى ساحة النجمة، مصرّاً على اقتحام مجلس النواب، قبل أن يعود ويدخله بعد سنوات قليلة نائباً، ثم يصير له كتلة نيابية يترأسها ومشروع سياسي يسعى لتحقيقه.
الأكيد أن سامي لم يكن ليلهث وراء هذه الزعامة لو لم يُستشهَد أخوه الأكبر بيار. كل شيء تغير في تلك اللحظة من العام 2006. ولأن سامي ليس من النوع الذي يهرب من المسؤولية.. أو يتركها لغيره. سريعاً حمل الأمانة.. مستعيناً بأبيه. سامي هو وريث العائلة لا ابن عمه نديم. تلك معادلة لا يناقش أيّ من الكتائبيين في أحقيتها. حتى نديم نفسه يقبلها على مضض. أمس بايع ابن بشير الجميل ابن عمه رئاسة حزب أبيه وجدّه.. موافقاً على أن يكون البشير الجديد. وسامي لم يتأخّر في رد التحية. قال «أنا وخيي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب».. معلناً أنه طلب من نديم أن يكون أخاه بعد استشهاد أخيه. تلك العبارة ألهبت عواطف الحاضرين في حفل إعلان ترشيح سامي الجميل لرئاسة حزب «الكتائب».. فلا أحد من الكتائبيين، إلا وتفرحه وحدة العائلة.. وهم عبروا عن ذلك بالتصفيق الحار لدى تعانق «وريثَيْ بشير الجميل» عند بدء الحفل وعند انتهائه.
عندما كان سامي مناضلاً وعضواً في «الحركة الإصلاحة الكتائبية»، كان يناضل لعودة الحزب إلى حضن العائلة. كان في الوقت نفسه يرفض الإقطاع السياسي ويواجهه. تاهَ بين هذه وتلك. أراد أن يشقّ طريقه بعيداً عن إرث العائلة، لكن هذا الإرث كان دائماً أقوى منه. بعد الدخول إلى «الكتائب» صار أكثر واقعية. عَرف أن إرثاً بهذه الضخامة لا يمكن التخلي عنه ببساطة. عمل تحت جناح «الإنسان الكبير العنيد» الذي اسمه أمين الجميل. وهو نفسه «رجل الفكر الكبير» الذي استطاع أن «يحافظ على استقلال البلد خلال ست سنوات من توليه سدة الرئاسة»، وبدأ يشق طريقه داخل الحزب وفي الحياة السياسية.
أمس، فُتح فصل ثالث في كتاب سامي الجميل. لم يعد ذلك الشاب الانفعالي، ولم يعد شقيق الشهيد الذي ورث المسؤولية باكراً. صار الآن يعتقد أنه قادر على حمل كل الأوزان السياسية والحزبية والوطنية للعائلة.. وإن شدّد أن «الكتائب ليس حزب الزعيم، بل هو فريق عمل». التجربة غالباً ما تذيب فريق العمل بالزعيم، علماً أن كثراً يثقون أن سامي «قدّها وقدود». وأكثر من ذلك يعتقدون أنه سيكون عراب تجديد الحزب، حلم أخيه، الذي استُشهد قبل أن يتمكّن من تحقيقه.
تلك مهمة إن نجح سامي بإنجازها، فهي ستُعفيه من ثقل الوراثة السياسية، خاصة إذا ما اتبعها بإظهار قدرة الحزب على الاستقطاب. وهي مسألة أولاها الجميل حيزاً مهماً في خطاب ترشحه لرئاسة الحزب. أخذه طموحه إلى حد الإعلان أن الحزب سيكون معنياً باستقطاب كل الطوائف. وتلك مهمة إن لم تكن مستحيلة فهي شديدة الصعوبة في حزب عُرف بإفراطه في مسيحيته، وتحسسه من الآخر، ونضاله دفاعاً عن الأنا الطائفية المهدَّدة دائماً. لكن سامي قال إنه سيسعى، وهي نقطة تُحسب له، خصوصاً أنه لم يفرّط في نبذ الدولة المركزية، إنما اكتفى بذمّها وذم الطائفية التي تمنع المحاسبة، مشيراً إلى أنه حان الوقت «لأن نأتي بالدولة وبالمجالس المحلية المنتخبة في كل منطقة والتي لها التمويل الخاص والقدرة على تأمين مصالح الناس، ولتحاسب الناس وزراءها ونوابها ولا تبقى خائفة».
سامي يؤيد الدولة المدنية والزواج المدني ويرفض الطائفية، ولديه مشروع اقتصادي متكامل. ويدعو إلى حماية التراث ووقف الهجرة وتخفيف البطالة واستقطاب المستثمرين والشراكة بين القطاعين الخاص والعام والحياد وحصرية السلاح وحماية البلد بعيداً عن التعبئة المذهبية.. لسامي «الكتائب» برنامج يتخطى رئاسة «الكتائب»، ويصل ربما إلى رئاسة الجمهورية.. وقد قدّم لها أمس خطاب القسم، ومهّد له القيادي التاريخي في الحزب جوزف أبو خليل بالقول إن سامي الجميّل «هو مشروع سياسي وطني كامل».