IMLebanon

لا أعرف شيئاً عن مستقبل لبنان..

أعتقد أن النزاعات في المنطقة سوف تتعاظم إلى أن تنتج واقعاً جديداً غير الذي عرفناه خلال السنوات الخمس الماضية، بما فيها الظروف التي نعيشها الآن في لبنان، أي أن كلّ ما نحن عليه هو مؤقت أو زائل، وربما يكون قد زال فعلاً ونحن لا نزال نعتقد أنه قائم. وعملية تداخل الأزمنة ليست جديدة على اللبنانيّين الذين لا يزالون يعيشون في غابة من الأوهام تتداخل فيها الأزمنة منذ فينيقيا حتى الآن.

لا أعرف أي لبنان سيكون بعد التحوّلات التي ستقع في سوريا والعراق واليمن ووو.. والتي تركت آثارها على كل العرب بدون استثناء، شعوباً وحكومات، وفي مقدّمتها دول الخليج العربي التي بدأت  تفكّر بالإقلاع عن الإدمان النفطي والتفكير بمستقبل بلادها على أسس جديدة وصلبة، وتضع الخطط والاستراتيجيات للتحوّل في بلادها.

أعترف أنّني لا أعرف كيف أستشرف مستقبل لبنان. وهذا ليس عيباً أو قصوراً في المتابعة أو الاستقراء أو الاستنباط، بل هو اعتراف بعمق التعقيدات والانهيارات التي أصابت مكوّنات الحياة الوطنية اللبنانيّة، لأنّ القيادات السياسية في لبنان تجرّأت على ارتكاب كل المحرّمات الوطنيّة التي دفعنا ثمن استعادتها غالياً، وفي مقدّمتها وحدتنا الوطنية وهي أساس الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي.

لا أعرف أي إعلام سيكون أو أي ثقافة سياسية ستسود، بعد أن أصبح السياسيّون والإعلاميّون مياومين، تحرّكهم وتشغلهم أي خبرية أو كذبة أو نكتة. والمضحك المبكي هو كيف تتشكّل الحياة السياسية اليوميّة على تويتر أرسله هذا الزعيم أو ذاك. وتبدأ التحليلات والافتراضات والاتصالات، ويُفتح الهواء التلفزيوني إلى أن ينتهي اليوم وينام الجميع بانتظار خبرية أو تبصيرة يعيشون عليها في اليوم التالي. إنّه أمرٌ محزن، ويرقى إلى مستوى المأساة.

لا أعرف كيف أحدّد المظاهر السياسية الجديدة، والتي تحاول إنقاذ الطبقة السياسية من خلال الاعتراض عليها ومواجهتها، بما هي المثل الأعلى لهؤلاء المعترضين على الاهتراء السياسي والبيئي والأخلاقي، لأنّهم جميعاً يَرَوْن في النظام والسلطة وأدواتها وامتيازاتها طريقاً للتغيير في لبنان. والمعروف أنّ النظام الطائفي في لبنان قد ابتلع دولاً شقيقة وصديقة، وبقي النظام هو النظام، يقوم على الفساد الطائفي وتقاسم المغانم. ولم تنجح كل محاولات بناء دولة المؤسسات لا في بداية الاربعينات ولا في بداية الستينات ولا في بداية التسعينات، لأنّ الطائفية نافية لمواطنية الأفراد، لذا فإنّ كل عملية تغيير عبر النظام الطائفي هي وهم من الأوهام.

لا أعرف كيف ستتصرف المصارف بعد الاعتداء عليها، رغم سيل الأحاديث عن الاحتمالات من الانهيار النقدي إلى العقاري إلى الاجتماعي إلى رواتب موظّفي القطاع العام والفقراء. لا أعرف إلى أين ستؤدي عملية الانفلاش الإعلامي والتفلت السياسي، إلى العنف المسلح او الاغتيالات او التفجيرات؟ لا أعرف إلى أين سيؤدي  الخطاب الطائفي، إلى انهيار العقد الاجتماعي أو التمرّد المناطقي أو التفكك الكياني؟ لا أعرف إلى أين ستؤدي سياسة المهارات اللفظية أو الألاعيب التقليدية، إلى مزيد من الشغور أو الخواء أو إلى مزيد من الجنون والضياع؟ لا أعرف شيئاً عن مستقبل لبنان.